قوة شفاء في عالم منقسم

يقول عظيم كيدواي إن الزكاة تتعلق بأكثر من مجرد مساعدة الفقراء والمساكين، وإنها تتعلق ببناء مجتمع مدني قوي وموحد حيث يمكن للجميع الازدهار فيه.

Katerina Kerdi W DXQ W8jjc Unsplash

عظيم كيدواي هو مؤسس لمؤسسة الزكاة الوطنية ما حول العالم. ولقد أمضى العقدين الماضيين في إنشاء مشاريع إسلامية للتمويل الاجتماعي، وكذلك في العمل مع الحكومات والجهات الفاعلة غير الدينية على الدور الذي يستطيعون لعبه في تمكين الزكاة بداخل حقولهم الاقتصادية. وهو يقود حالياً منظمة «ميرسي ميشن»، وهي أكبر صندوق في العالم للتبرعات الإسلامية والموجهة استشارياً، كما يعمل بالعديد من مجالس الإدارات في المنظمات الخيرية الكبرى.

تعتبر الزكاة – في مشهد الأعمال الخيرية الحديثة بالشرق الأوسط – حافزاً وأداة مهمة للعطاء، كما يعتبر شهر رمضان هو الوقت الذي يختار فيه العديد من المسلمين تركيز اهتمامهم على التزاماتهم بالزكاة.

وتتراوح قيمة الزكاة العالمية التي يتم جمعها وتوزيعها من مُعَقّب إلى آخر، ومن مئات المليارات إلى ما يتجاوز التريليون. وهذه شهادة على الروح الخيرية التي تسري عبر المجتمعات المسلمة ما حول العالم، وبلا شك عبر الخليج أيضاً.

ومع ذلك، فإنه يتم توجيه معظم تبرعات الزكاة نحو الفقراء والمساكين من خلال الإغاثة الإنسانية أو العناصر الأساسية لدعم الفئات الأكثر ضعفاً في المجتمع.

وهذا ليس مفاجئاً حينما نتأمل بأن عدد كبير من المسلمين يعيشون في حالات الفقر بسبب النزاعات والنزوح والاضطرابات الاقتصادية – وحيثما تبقي تبرعات الزكاة أمر مرحب به للغاية ومطلوب بشدة.  ومع ذلك، فإن هذا التركيز على الفقراء والمساكين يتغافل عن حقيقة أن هناك في الواقع ثماني فئات من الأشخاص المؤهلين للحصول على الزكاة أيضاً.

الفئات الثماني للزكاة:

  • الفقراء
  • المساكين
  • العاملين بإدارة الزكاة
  • المؤلفة قلوبهم
  • تحرير الرقاب
  • الغارمين
  • في سبيل الله
  • ابن السبيل

"إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ".  سورة التوبة، 

القرآن 9:60

Esteban Castle Sx3nfetmczi Unsplash

يركّز كثير من الناس زكاتهم على دعم الفقراء والمحتاجين، ولكن هناك العديد من الطرق التي يمكن استخدام الزكاة بها، بما في ذلك لمعالجة التحديات المجتمعية مثل العبودية وعمل الأطفال. Unsplash.

وبالتركيز على الفئتين الأوائل من المتأهلين، فإنه يتم إهمال الفئات الست الأخرى. ولقد خلق الله إطاراً بحكمته الإلهية لتنمية المجتمع ولبناء الأمة من خلال تأسيس الفئات الثماني معاً. وعلاوة على ذلك، فإن بعض الفقهاء يعتقدون – بما فيهم من ينتسبون للمذهب الشافعي – أنه يجب توزيع تبرعات الزكاة بالتساوي عبر الفئات الثمانية لأجل الوفاء بفريضة الزكاة.

وفي العديد من الحالات، تكون الدولة هي التي تجمع وتوزع الزكاة، وبالتالي غالباً ما تعطي الأولوية للفقر باعتباره محور تركيزها الأساسي. وفي الإمارات العربية المتحدة على سبيل المثال، نرى جهود متعددة من قبل الدولة لضمان سهولة الجمع والتوزيع من خلال منصات مخصصة عبر الإنترنت مثل https://www.zakatfund.gov.ae.

ويجب أن تكون جميع المنظمات غير الربحية التي تشارك في جمع الزكاة أو توزيعها، سواء أكانت دينية أو علمانية، على دراية بالفئات المختلفة، وكيفية ارتباطها ببعضها البعض، وكيفية مساهمة الزكاة التي يستخدمونها في الإطار الأوسع للمجتمع المدني.

وهناك روابط إلهية نادراً ما يتم أخذها في الاعتبار ما بين كل فئة من فئات الزكاة، وهذا بالرغم من أن العمل على هذه الروابط بشكل استراتيجي يُمكّن المجتمعات من التقدم بشكل مضاعف.

وإذا تم أخذها بشكل شامل، فإن الفئات الثماني تقدم "محفظة متوازنة" من القنوات لأجل تنميتها عبر تمويل التدابير اللازمة لمواجهة الفقر والديون والظلم الاجتماعي، وكذلك لتعزيز التعليم والمشاركة العامة.

وانظروا معي للحظة في العلاقة ما بين الفقراء والغارمين: فإذا كانوا المتبرعين أو المنظمات يفكرون بشكل شامل، فإنه يمكنهم تخصيص الأموال لمساعدة الناس على سداد ديونهم أولاً، وثم بمجرد أن يصبحوا خاليين من الديون فإنه يمكنهم دعمهم بالتمويل للتخفيف من فقرهم. وهذا من شأنه أن يزيد من احتمالية إفلات الفرد من حالة الفقر المزمن، حيث إن مثل هذا التدخلات تكون قد أزالت عبء الديون قبل التخفيف من تحدي تكاليف المعيشة.

وفي زيارة قد قمت بها مؤخراً إلى المسجد الحرام في مكة المكرمة بالمملكة العربية السعودية، فإنني ناقشت مع الشيخ القصاص أهمية استخدام أموال الزكاة لمواجهة الاتجار بالبشر. وكان مقتنعا بأن الذين "في الرقاب" يمكن اعتبارهم اليوم كأولئك الأشخاص الذين يتم الاتجار بهم والذين هم في رهن العمل القسري والداعر، وكان مقتنعاً بأن هذه المسألة تشكل أولوية إسلامية يجب مواجهتها.

وأما الفئة الرابعة، أي المؤلفة قلوبهم، فإنها تسمح بإعطاء الزكاة لغير المسلمين لتقريبهم من الإسلام. وقد كان يُفسر هذا تقليدياً كوسيلة لدعم المتحولين إلى الإسلام، ولكن بعض الفقهاء واللجان الإسلامية المعاصرة مثل جمعية فقهاء المسلمين في أمريكا قد عللوها على أنها ارتباطات ذكية لكل من الضغط والسياسات العامة.

الزكاة هي فرصة للمسلمين للتفكير في نوع العالم الذي يرغبون في رؤيته، والمساهمة في تحقيقه.

عظيم كيدواي

وبالنظر إلى الأوقات المضطربة التي نعيش فيها حالياً، فإنه قد حان الوقت لتطبيق هذا الاستخدام للزكاة لحماية مجتمعنا المدني ومساعدته على الازدهار، وهذا بالرغم من الجهود الحثيثة التي يبذلها أولئك الذين يسعون إلى زرع الفتن والخلاف. وفي ظل الأزمة المستمرة في مجال المشاركة والضغط، فإنه يمكن للزكاة أن تصبح منصة شاملة القنوات لبناء وإعادة تشكيل هياكل المجتمع المدني، والتي هي في حاجة ماسة إلى الاستثمار العاجل.

وهناك أيضاً حاجة للأفراد ذوي الثروات العالية لإعادة التفكير في دورهم المجتمعي. وبدلاً من أن يتبرع الأثرياء بالملايين للحملات السياسية بحثاً عن النفوذ والمكانة، فإن ما نحتاجه هو طبقة جديدة من المحسنين الذين يضعون توجه الإله في المقام الأول، وذلك باستخدام زكاتهم لبناء عالم أفضل، وبالسماح للزكاة من تحقيق غرضها المتمثل في تطهير الثروات الناتجة.

والزكاة هي تجسيد للعدالة والشفافية والأمانة. ولها مكانة واضحة وعاطفية في قلوب المسلمين ما حول العالم. ولكنها أكثر من مجرد رسوم لعضوية مقدسة، إذ إنها فرصة للمسلمين للتفكير في نوع العالم الذي يرغبون في رؤيته ولمساعدتنا للوصول إليه.

وفي رمضان هذا العام، وطوال بقية العام، أحث إخوتي وأخواتي المسلمون على التفكير في الكيفية التي يمكن لزكاتهم أن تساهم في المجتمع بطريقة ذات مغزى، وأن يجعلوها وسيلة لرؤية نور الإيمان من قبل الجميع.