نداء إلى أصحاب المليارات
مارك سوزمان، الرئيس التنفيذي لمؤسسة غيتس، يدعو الأثرياء إلى تكثيف جهودهم والاستثمار في البرامج التي تكافح الفقر وتحد من أوجه عدم المساواة
الخميس, 01 فبراير 2024
مارك سوزمان، الرئيس التنفيذي لمؤسسة غيتس، يدعو الأثرياء إلى تكثيف جهودهم والاستثمار في البرامج التي تكافح الفقر وتحد من أوجه عدم المساواة
الخميس, 01 فبراير 2024
مارك سوزمان هو الرئيس التنفيذي لمؤسسة بيل وميليندا غيتس. وقبل توليه هذا الدور، قاد سوزمان عملية تأسيس مكاتب المؤسسة في مناطق مختلفة حول العالم بما في ذلك الهند والصين وأفريقيا وأوروبا، وكان أيضاً مسؤولاً عن إدارة علاقات المؤسسة مع الهيئات الحكومية وروّاد العطاء والمحسنين من القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني. بالإضافة إلى ذلك، قام سوزمان بتطبيق نظام جديد لتقييم تأثير المؤسسة وإدارة التبادلات بين أهدافها الاستراتيجية. يحمل سوزمان درجة الدكتوراه في العلاقات الدولية من جامعة أكسفورد وهو حاصل على منحة رودس المرموقة. كما يحمل درجة البكالوريوس بامتياز مع مرتبة الشرف من جامعة هارفارد.
في العام الماضي، توفي رجل يُدعى تشاك فيني عن عمر يناهز 92 عاماً. على الرغم من كونه مليارديراً، إلا أن فيني حافظ على أسلوب حياة متواضع للغاية وتعمد الابتعاد عن الأضواء. كان فيني يرتدي ساعة يد لا يزيد ثمنها عن عشرة دولارات، وفي سنواته الأخيرة، لم يكن يمتلك منزلاً أو سيارة. وقد جمع ثروته بواسطة التسوق المعفى من الرسوم الجمركية، الذي لا يلقى في العادة اهتماماً إعلامياً كبيراً.
وعلى الرغم من اسم فيني لم يحفر على المباني، إلا أن تأثيره كان عميقاً. ففي عام 2011، أصبح من الموقعين على حملة "تعهد العطاء"، وهي حركة يتعهد فيها أصحاب الثروات الطائلة بالتبرع بمعظم ثرواتهم لقضايا خيرية إما خلال حياتهم أو في وصاياهم.
وقال فيني في تعهده: "أعتقد أنه لا توجد طريقة مجزية أكثر على الصعيد الشخصي وأكثر ملاءمة للاستفادة من الثروة من التبرع بالأموال بينما لا يزال المرء على قيد الحياة، وتكريس نفسه شخصياً للجهود الهادفة لتحسين حياة البشر".
ولم يكن ما يميّز فيني مجرد نواياه المعلنة، بل مدى الدقة وعمق التفكير اللذين اتسم بهما تنفيذه لها. فقام فيني بالتخلي عن كامل ثروته تقريباً خلال حياته، ووجهها نحو مجموعة واسعة من القضايا في جميع أنحاء العالم مثل تعزيز أنظمة الصحة العامة في فيتنام، وإنشاء عيادات فيروس نقص المناعة البشرية في جنوب أفريقيا، ودعم الحملات الشعبية لتوسيع تغطية الرعاية الصحية لتشمل الأشخاص ذوي الدخل المنخفض وغيرها الكثير.
وكانت أعمال فيني الخيرية المتواضعة والمؤثرة بمثابة مصدر إلهام للكثير من الأشخاص، بما في ذلك وارن بافيت والرئيسين المشاركين لمؤسستنا، بيل غيتس وميليندا فرينش غيتس. لقد بيّن لنا جميعاً كيف يمكن لأفعال فرد سخي واحد أن تدفع بعجلة التقدم لأجيال عدة.
وهذا يتوافق تماماً مع مهمة مؤسستنا، فنحن نؤمن بأنه لا بد أ تتاح للجميع الفرص لعيش حياة صحية ومنتجة، بغض النظر عن خلفياتهم أو الأماكن التي يعيشون فيها.
ولإحداث تأثير أكبر - والذي يتم قياسه من حيث عدد الأرواح التي يتم إنقاذها وسُبل العيش التي يتم تحسينها - فإننا نركز على تلبية الاحتياجات الإنسانية الكبيرة في الولايات المتحدة وفي جميع أنحاء العالم.
نحن ملتزمون بإنفاق أموال مؤسسيها بعد وفاة مؤسسينا لأن تركيزنا ينصب على التصدي للقضايا الملحة الآن والمساهمة في إنشاء أنظمة ستستمر بعد رحيلنا.
ولهذا السبب تعهد مجلس إدارتنا بزيادة إنفاقنا السنوي إلى 9 مليار دولار بحلول عام 2026. وفي وقت سابق من هذا الشهر، وافق مجلس الإدارة على ميزانية عام 2024 بقيمة 8.6 مليار دولار، والتي سيتم استخدامها لدعم المبادرات المبتكرة التي تهدف إلى إنقاذ الأرواح وتحسين حياة الناس.
لقد بدأنا نشهد رواد عطاء ومحسنين آخرين يكثفون جهودهم، وفي هذه المقالة، سأشارككم لماذا أشعر بالتفاؤل حيال ما يمكننا أن تحقيقه معاً في هذا الوقت الذي يتسم بالاحتياجات الكبيرة ولكن بالفرص الهائلة كذلك.
"يكمن أحد أكثر جوانب العمل الخيري إثارة وهي مرونته التي تكفل التكيف بسرعة وتحمل المخاطر التي لا يستطيع الآخرون تحملها، ما من شأنه أن يسرع وتيرة التقدم".
في السنوات التي تلت جائحة كوفيد-19، شهدنا بعد عقود من التراجع ارتفاعاً في معدلات الفقر المدقع، وعودة للأمراض المعدية الفتاكة ووقوع كوارث مرتبطة بالمناخ، واستمراراً للحروب القديمة واندلاع صراعات جديدة.
كما أن التصدي لأوجه عدم المساواة ليس بالمهمة السهلة. فالآباء والأمهات يدفنون أطفالهم بسبب أمراض لم تعد مدعاة للقلق في البلدان الغنية، بينما تلقى العديد من النساء حتفهن أثناء الولادة، على الرغم من توافر التدخلات الأساسية والمنخفضة التكلفة لذلك، بسبب عوامل مثل العرق أو الدخل أو المكان الذي ولدن فيه.
فضلاً عن ذلك، يكافح مئات الملايين من الأشخاص من أجل البقاء على أقل من 2.15 دولار في اليوم في عالم ارتفعت فيه ثروات أصحاب المليارات خلال الأشهر الأربعة والعشرين الأولى من الجائحة أكثر مما حققته خلال الأعوام الثلاثة والعشرين السابقة.
ومع تزايد الاحتياجات، تجد الدول ذات الدخل المنخفض نفسها تفتقر إلى الموارد الكافية لتلبيتها.
وفي الوقت الحالي، يعيش ما يقرب من نصف سكان العالم في بلدان تنفق أموالاً لخدمة ديونها الخارجية أكثر من تلك التي تخصصها للرعاية الصحية. كما تنخفض المساعدة الإنمائية الرسمية، التي تشكل أهمية بالغة لمساعدة الدول الأكثر فقراً في تلبية الاحتياجات الإنسانية الأساسية، بشكل مضطرد من حيث القيمة الحقيقية، مع قيام البلدان الغنية بتخصيص المزيد من الموارد لأولويات محلية وخارجية دولية أخرى.
مع ذلك، هناك أخبار مشجعة وهي أن الحلول الحالية والناشئة لديها القدرة على تحسين الحياة والحفاظ على الأرواح على الرغم من كل هذه التحديات. فالأدوات الرقمية المبتكرة يمكنها مساعدة المزيد من النساء في الوصول إلى الفرص الاقتصادية، في حين قد تسهم التدخلات الجديدة التي تركز على ميكروبيوم الأمعاء في حل مشكلة سوء التغذية. علاوة على ذلك، تستطيع الابتكارات الزراعية مساعدة المزارعين على زيادة الإنتاج، حتى في ظل الظروف الجوية القاسية.
مع ذلك، فإن هذه الحلول تتطلب الدعم؛ وإلا قد ينتهي بها الحال لأن تصبح إمكانات مهدرة. وكلما أسرعنا في تقديم هذا الدعم، زاد عدد الأفراد الذين يمكننا مساعدتهم اليوم، ورسمنا مستقبلاً أفضل للأجيال القادمة.
ولا بد أن يأتي هذا الدعم في المقام الأول من الحكومات التي تلعب الدور الأكبر والأهم في ضمان وصول الحلول إلى الأشخاص الذين يحتاجون إليها. غير أن الحكومات تواجه أولويات متضاربة وقيوداً مالية كبيرة. وفي كثير من الأحيان، يتم تخصيص المساعدات المالية للأزمات الناشئة على حساب تمويل القضايا الصحية والتنموية الأساسية.
ولذلك يتعين على الحكومات أن تضاعف جهودها، وعلى نحو مماثل، لا بد أن تلعب المنظمات المتعددة الأطراف والشركات الخاصة أيضاً دوراً حاسماً في دفع عجلة الابتكار والتقدم. بالإضافة إلى ذلك، هناك قطاع آخر يتمتع بإمكانات هائلة لتعزيز عالم أكثر عدلاً وصحة - وهو ما يقودني للحديث مجدداً عن تشاك فيني.
تزدهر حياة الآلاف من الأفراد اليوم لأن فيني حدد الثغرات واتخذ الإجراءات اللازمة للتصدي لها. وهذا يجسد الإمكانات الهائلة للعمل الخيري على نطاق واسع. فرواد العطاء في جميع أنحاء العالم يجدون أساليب جديدة للحد من عدم المساواة. وأنا كلي أمل بأن يكثفوا جهودهم، وأن يتقدم المزيد من الأشخاص للانضمام إليهم".
يركز عدد لا يحصى من المبتكرين في جميع أنحاء العالم أنظارهم على التحديات الهائلة. لكن ماذا عن الانتقال من مجرد الأفكار إلى الحلول الملموسة التي تخدم الناس؟ لا يحدث هذا الانتقال في كثير من الأحيان بما فيه الكفاية، وعندما يحدث، يكون العمل الخيري قد لعب دوراً أكثر أهمية مما قد يتصوره الناس.
ولنتأمل قليلاً في هذه الفكرة: ذات يوم، كان فيروس شلل الأطفال البري يصيب 7,000 طفل بالشلل كل أسبوع. مع ذلك، تضاءل هذا العدد خلال عام 2023 إلى 12 طفلاً فقط على مدار العام بأكمله. لقد أصبح هذا التقدم الملحوظ ممكنا بفضل المبتكرين اللامعين الذين كشفوا عن اختراقات، وبواسطة أبطال الخطوط الأمامية الذين حرصوا على وصول هذه الحلول إلى الأطفال، حتى في أكثر المناطق بعداً في العالم.
ويعود الفضل في الكثير من هذا التقدم إلى العمل الخيري الذي قامت به منظمات مختلفة كمنظمة الروتاري الدولية، ومؤسستنا، وغيرهما من المنظمات الملتزمة بمستقبل يصبح فيه شلل الأطفال شيئاً من الماضي.
وهذا مجرد مثال واحد على الخطوات المذهلة التي قطعتها الحكومات والمنظمات غير الحكومية في العقود الأخيرة في مكافحة الأمراض المعدية.
فقد أشرف التحالف العالمي للقاحات والتحصين (غافي) على تحصين أكثر من مليار طفل. وأنقذ الصندوق العالمي 59 مليون شخص من براثن فيروس نقص المناعة البشرية والسل والملاريا. وفي الوقت نفسه، بات مركز كارتر وحلفاؤه على وشك القضاء على داء دودة غينيا - هذا المرض الطفيلي المنهك - ليصبح ثاني مرض بشري يتم القضاء عليه في العالم.
وتجمع هذه الإنجازات العديد من القواسم المشتركة. فهي تعكس العمل الشاق الذي قام به الآلاف من الأشخاص، كما أصبحت جميعها ممكنة بفضل التبرعات الخيرية. وفي حين تلعب المساعدات النقدية دوراً مهماً في تحقيق هذه الإنجازات لكن الأمر الذي لا يقل أهمية هو كيفية تخصيص الجهات الخيرية لأموالها والجهات التي تختار التعاون معها.
وبالنسبة لمؤسستنا، فإن هذا يستلزم تحديد أوجه القصور في السوق ــ وهي المجالات التي لا يوجد فيها لدى القطاعين العام والخاص الحافز الكافي للتدخل، مما يجعل إحراز التقدم غير مرجح في حال لم تتدخل المؤسسات الخيرية. كما يستلزم تحفيز الآخرين على العمل، حتى نتمكن معاً من توسيع نطاق الابتكارات المنقذة للحياة وتزويد القائمين على حل المشاكل بالموارد اللازمة لتحقيق تقدم أكبر وأسرع.
وهنا يكمن أحد أكثر جوانب العمل الخيري إثارة وهي مرونته التي تكفل التكيف بسرعة وتحمل المخاطر التي لا يستطيع الآخرون تحملها، ما من شأنه أن يسرع وتيرة التقدم.
وبينما نمتلك القدرة على الدفع بالمبادرات إلى الأمام، غير أننا لا نقوم بذلك بمعزل عن الآخرين. فجميع جهودنا تتم بالتنسيق الوثيق مع الدول والمجتمعات لدفع التقدم نحو الأهداف التي حددتها - وليس العكس.
وفي حين أن العمل الخيري قادر على تحمل المخاطر وسد الفجوات التي قد تهمل أو لا تحظى بالتمويل الكافي، فإنه لا يتمتع بالقدرة على إحداث فارق إلا عندما يعمل بالشراكة مع الحكومات، والقطاع الخاص، والخبراء المحليين.
"إذا تبرع كل شخص من أصحاب المليارات في العالم بنسبة 0.5 في المئة من ثروته، فسيوفر ذلك 61 مليار دولار، وهو مبلغ يكفي لتمويل جميع المبادرات السابقة ويترك فائضاً بقيمة 49 مليار دولار".
أينما أذهب، يتم سؤالي بشكل متكرر عن الإجراءات التي اتخذتها مؤسسة غيتس فيما يتعلق بقضيتين حاسمتين هما تغير المناخ والذكاء الاصطناعي. إن النهج الذي تتبعه مؤسستنا في التعامل مع هذه القضايا يوضح وجهة نظرنا حول دور العمل الخيري، لا سيما الدور الذي نلعبه.
أولاً، تغير المناخ. تتركز غالبية الإنفاق على قضايا المناخ على الجهود الرامية إلى التخفيف - أي الحد من انبعاثات الكربون، وهذا أمر بالغ الأهمية لمستقبل كوكبنا. لكن ماذا عن التأثيرات التي بدأت بالفعل بإلحاق الضرر بالمجتمعات؟
الحقيقة هي أن الأشخاص الذين ساهموا بأقل قدر في حدوث هذه الأزمة - مثل المزارعين أصحاب الحيازات الصغيرة في منطقة جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا - يعانون بالفعل من عواقبها الأشد خطورة. مع ذلك، من المؤسف أن عُشر التمويل المناخي على مستوى العالم موجه نحو التكيف مع تغير المناخ كما أن جزءاً أصغر من هذا التمويل يستهدف التدخلات التي من شأنها مساندة الفئات الأشد فقراً.
لذا تقوم مؤسسة غيتس بالتعاون مع الحكومات والمنظمات الدولية مثل المجموعة الاستشارية للبحوث الزراعية الدولية، بدعم جهود البحث وتقديم الحلول التي تقوم بتوسيع الخيارات المتاحة أمام المزارعين.
وقد لا تجتذب هذه الابتكارات، مثل الدجاج الأكثر قدرة على مقاومة الأمراض وسلالات نبات الكسافا المقاومة للجفاف، استثمارات القطاع الخاص دائماً، لكنها تتمتع بالقدرة على تعزيز دخل ملايين الأسر - وهو بالتحديد إخفاق السوق الذي نسعى إلى تصحيحه.
ثانياً، الذكاء الاصطناعي. فكلما ظهرت تقنية جديدة، كانت هناك فرصة كبيرة للدول الغنية للاستفادة من إمكاناتها، بينما تبقى الدول المنخفضة الدخل متخلفة عن الركب. وينطبق هذا النمط على الذكاء الاصطناعي أيضاً، حيث ستظل فوائده بعيدة عن المجتمعات الفقيرة ما لم يتم تصممها خصيصاً لتلبية احتياجاتها.
وقد أطلقنا مؤخراً دعوة لتقديم مقترحات من الباحثين الذين يستكشفون إمكانات الذكاء الاصطناعي لتعزيز المساواة في الصحة والتنمية على الصعيد العالمي. وكان ما يقرب من 80 في المئة من المقترحات التي تلقيناها، وجميع المنح التي اخترناها، لباحثين في بلدان منخفضة ومتوسطة الدخل.
وتشمل خططهم استخدام نماذج لغوية كبيرة لتعزيز حفظ السجلات الطبية الخاصة بالفتيات في باكستان، وتوفير استشارات خالية من الوصم والأحكام المسبقة فيما يتعلق بفيروس نقص المناعة البشرية في جنوب أفريقيا، وتقديم دروس مخصصة في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات عبر الفيديو للطلاب النيجيريين، وبث معلومات عن مخاطر الملاريا باللغات المحلية عبر الإذاعة التنزانية، وغيرها الكثير.
وفي حين قد يتحقق كل هذا العمل من دون مساعدتنا، غير أن الدعم الخيري يزيد بشكل كبير من احتمالية وصول هذه الحلول الأشخاص الذين يحتاجون إليها وفي أقرب وقت ممكن.
نحن نفخر بالدور الذي تلعبه مؤسستنا للمساعدة في معالجة القضايا الملحة، ولكننا لسنا وحدنا من يقوم بهذه الجهود، فالعديد من رواد العطاء والمحسنين يقدمون أساليب مبتكرة وخبرات فريدة لمجموعة واسعة من التحديات.
تطور المشهد الخيري بشكل ملحوظ منذ أن بدأت هذا العمل في هذا المجال منذ أكثر من 15 عاماً، وهذا أمر جيد. فالمانحون في جميع أنحاء العالم باتوا يقدمون رؤى جريئة وتجارب حية لمواجهة التحديات المعقدة.
وييسر المنتدى الخيري الأفريقي التعاون بين الجهات المانحة الأفريقية لتعزيز التنمية الشاملة والمستدامة في جميع أنحاء القارة. واشعر شخصياً بالحماس للجهود التي تبذلها المؤسسات الخيرية في الهند والصين وسنغافورة للتصدي للمشاكل المحلية والعالمية. وبينما يواصل الجيل القادم من رواد العطاء مضاعفة جهودهم، فإنهم يقدمون أفكار جديدة تضع معايير أعلى للعطاء المؤثر.
وبطبيعة الحال، ليس الأثرياء وحدهم من يستطيع إحداث الفارق. فالتبرعات الصغيرة، عندما تكون مجتمعة، يصبح لها تأثير هائل. واليوم، يشارك ما يقرب من نصف دول العالم في ’ثلاثاء العطاء‘ GivingTuesday، وهي حملة يسرت تقديم تبرعات فاقت قيمتها 13 مليار دولار منذ إنشائها في عام 2012.
ثم هناك الملايين من الأشخاص في جميع أنحاء العالم الذين يقتطعون الأموال من كل راتب يتقاضونه لإرساله إلى عائلاتهم في بلدانهم الأصلية. وقد بلغ إجمالي هذا النوع من العطاء، المعروف باسم التحويلات المالية، 590 مليار دولار في عام 2020، متجاوزاً جميع مصادر المساعدات الدولية الأخرى مجتمعة.
وقد يتوقع المرء أن تنخفض التحويلات عندما يواجه الناس ضائقات مالية، ولكن ما يحدث هو العكس حيث يعيش الناس على موارد أقل لإرسال المزيد من الأموال إلى أوطانهم. وخلال جائحة كوفيد-19، زادت التحويلات بنسبة 19 في المئة.
يزخر عالمنا بالكثير من السخاء، وتتوفر موارد أكثر من أي وقت مضى لمساعدة رواد العطاء والمحسنين على ترجمة سخائهم إلى تأثير ملموس، من إنشاء تحالفات التعاون بين المانحين - التي يشار إليها أيضاً بالصناديق التعاونية - إلى نماذج جديدة من العطاء على نطاق واسع.
أدرك أن هناك أفراداً ملتزمين حقاً بالعمل الخيري ولكن قدرتهم على العطاء محدودة حالياً. لكن البدء بالعطاء الآن بالنسبة لأولئك الذين يستطيعون تقديمه يوفر فوائد هائلة.
ومن تلك الفوائد أنك ستتمكن بالفعل من رؤية التأثير الذي يحدثه عطاؤك وسيكون لديك الوقت لبناء الثقة والتفاهم مع أولئك الذين يقومون بالعمل. فالشراكات القوية مجزية في حد ذاتها وتؤدي أيضاً إلى إحداث تأثير أكبر. وكلما بدأت مبكراً، تمكنت من بناء المزيد من الزخم، وهو أمر مهم للغاية لا سيما عند معالجة القضايا التي لا يُقاس فيها التقدم بالأشهر أو حتى بالسنوات، بل بالعقود.
"إذا زاد عدد الأشخاص الذين زادوا من التزاماتهم وركزوا مواردهم على المجالات الأكثر احتياجاً، يمكن عندها ترجمة هذه الأفكار إلى تأثير".
لقد كان العمل الخيري الذي قام به تشاك فيني رائعاً لأسباب عديدة، ولكن أكثر ما أثار إعجابي هو إعطاؤه الأولوية للأشخاص الأكثر افتقاراً للفرص. ففي حين أن معظم المانحين الأثرياء يعبرون عن رغبتهم في المساهمة في التغيير الاجتماعي، فإن جزءاً كبيراً من تبرعاتهم ينتهي به الأمر لصالح جامعات النخبة والمؤسسات الثقافية.
غير أن فيني فعل الأمرين معاً، فقد تبرع بما يقرب من مليار دولار للجامعة التي تخرج منها، لكنه خصص أيضاً مليارات الدولارات لتلبية الاحتياجات الإنسانية الأساسية. وما لك إلا أن تتخيل الإمكانات المتاحة إذا اتبع المزيد من المانحين خطواته.
فماذا لو ساهموا، إلى جانب التبرع بمبلغ 100 مليون دولار لجامعة مرموقة، بمبلغ 100 مليون دولار لإنشاء نظام يوفر كتباً دراسية مجانية على الإنترنت لكل طالب جامعي في الولايات المتحدة، إلى الأبد؟ ماذا لو خصص أحد المانحين 20 مليون دولار لمؤسسة تبحث عن علاج للسرطان، و20 مليون دولار أخرى لتمويل الأبحاث حول الملاريا، المرض الذي لا يزال يودي بحياة طفل كل دقيقة؟ أو ربما 5 ملايين دولار لمدرسة أطفاله الخاصة و5 ملايين دولار أخرى لدعم التعليم الجيد في منطقة جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا؟
أدرك أن قلة قليلة من الناس لديهم الرغبة أو القدرة على التخلي عن كامل ثرواتهم. مع ذلك، هناك رحلة طويلة بين كرم فيني الاستثنائي وحالة العطاء الحالية بين الأثرياء، كما أن هناك العديد من الفرص لإحداث التأثير.
وعلى الصعيد العالمي، تبلغ القيمة الصافية لثروات 2,640 مليارديراً في العالم ما لا يقل عن 12.2 تريليون دولار. وبالاستعانة بمليار دولار فقط يستطيع روّاد العطاء تمويل سلسلة من التدخلات العالية التأثير والمنخفضة التكلفة القادرة على إنقاذ حياة مليوني أم وطفل إضافيين بحلول عام 2030.
فبمبلغ 4 مليارات دولار، يمكنهم مساعدة نصف مليار مزارع من أصحاب الحيازات الصغيرة ليصبحوا أكثر قدرة على الصمود أمام تغير المناخ والحد من انبعاثات الغازات الدفيئة الناجمة عن الزراعة بمقدار 1 غيجا طن سنوياً بحلول عام 2030. وبمبلغ يزيد قليلاً عن 7 مليار دولار، يمكنهم توفير اللقاحات لنحو 300 مليون شخص، مما سيحول دون وقوع 7 ملايين حالة وفاة على الأقل.
وإذا تبرع كل شخص من أصحاب المليارات في العالم بنسبة 0.5 في المئة من ثروته، فسيوفر ذلك 61 مليار دولار، وهو مبلغ يكفي لتمويل جميع المبادرات السابقة ويترك فائضاً بقيمة 49 مليار دولار.
يحمل هذا النوع من التمويل إمكانات هائلة لخلق العديد من الفرص للناس في جميع أنحاء العالم لكن في حال تم إنفاقه وإذا تم ذلك بحكمة وفعالية.
في الولايات المتحدة وكندا وأستراليا، يطلب المؤسسات الخيرية توزيع ما لا يقل عن 5 في المئة من أصولها سنوياً. وأنا شخصياً أعتقد أنه تكون هذه النسبة أعلى، لا سيما بالنظر إلى المزايا الضريبية التي تتمتع بها هذه الأموال. ولكن ذلك يبقى أفضل من الوضع السائد في معظم أنحاء أوروبا، حيث لا تواجه المؤسسات الخيرية أي متطلبات من هذا القبيل على الإطلاق.
يواجه عالمنا العديد من التحديات المعقدة، لكن هناك مبتكرين على استعداد لمواجهتها. لقد أصبحت الإنجازات القادرة على إنقاذ وتحسين حياة الملايين في متناول اليد، وبعضها يُحدث بالفعل فرقاً في حياة الأشخاص الذين هم بحاجة إليها وبعضها الآخر سيستغرق بعض الوقت للوصول إليهم. لكن دون الاستثمار السخي والدعم المستمر، ستظل هذه الأفكار المبتكرة مجرد أفكار.
وإذا زاد عدد الأشخاص الذين يكثفون التزاماتهم ويركزون مواردهم على تلبية الاحتياجات الأكثر أهمية، فإن هذه الأفكار يمكن أن تترجم إلى تأثير ملموس. وهذا يعني أنه سيكون هناك المزيد من المزارعين القادرين على إعالة أسرهم والصمود أمام تحديات الطقس، والمزيد من الأطفال الذين لن يعانوا من أمراض يمكن الوقاية منها، والمزيد من الأمهات اللاتي سيصبح حدث الولادة بالنسبة لهن لحظة فرح، وليس أمراً مثيراً للخوف.
معاً يمكننا تحقيق الإمكانات الكاملة للعمل الخيري في وقت يعتبر فيه العالم في أمس الحاجة إليه.
تم نشر هذه المقالة لأول مرة تحت عنوان الخطاب السنوي لمؤسسة غيتس لعام 2024 وتمت ترجمتها وإعادة نشرها هنا بإذن منها. للاطلاع على النسخة الأصلية يرجى الضغط هنا.
It's a good idea to use a strong password that you're not using elsewhere.
Remember password? Login here
Our content is free but you need to subscribe to unlock full access to our site.
Already subscribed? Login here