القيم الثلاثة للعمل الخيري الفعّال
باربرا إبراهيم تقول أن المؤسسات الخيرية العربية بحاجة إلى كل من التواصل والمنظور النقدي والشجاعة من أجل التصدي للقضايا المجتمعية
الأربعاء, 03 أبريل 2024
باربرا إبراهيم تقول أن المؤسسات الخيرية العربية بحاجة إلى كل من التواصل والمنظور النقدي والشجاعة من أجل التصدي للقضايا المجتمعية
الأربعاء, 03 أبريل 2024
باربرا إبراهيم هي المديرة المُؤسسة لمركز جون د. جيرهارت للعمل الخيري والمشاركة المدنية بالجامعة الأمريكية في القاهرة. وقبل إنشاء المركز في عام 2006، شغلت باربرا منصب المدير الإقليمي لغرب آسيا وشمال أفريقيا في مجلس السكان، وكانت قبل ذلك مسؤولة قسم الشرق الأوسط في برامج الفقر الحضري ودراسات المرأة التابع لمؤسسة فورد.
يشهد العمل الخيري في منطقة الشرق الأوسط نمواً وتطوراً كبيراً. فخلال فترة الثمانينات، أثناء عملي كمسؤولة برامج في مؤسسة فورد في القاهرة، ربما كان بإمكاننا آنذاك إحصاء المؤسسات والجمعيات الخيرية الأكثر استراتيجية الناشطة في المنطقة على أصابع اليد.
مع ذلك، وبحلول عام 2007، عندما أجريت دراسة عن المؤسسات الخيرية الخاصة في المنطقة مع دينا شريف لصالح مركز جيرهارت، كان من الواضح أن تحولاً كبيراً قد حدث. ففي تلك المرحلة، ظهر عدد كبير من المؤسسات الخيرية الجديدة التي تم تأسيسها للتصدي للتحديات الاجتماعية والتنموية في العالم العربي. لكن على الرغم من هذه الدينامية الجديدة، ظلت بعض القضايا قائمة، مما حال دون تحقيق هذه المنطقة، التي تعد واحدة من أكثر المناطق سخاءً في العالم، كامل إمكاناتها في مجال العمل الخيري.
ورغم أن النمو المستمر وإضفاء الطابع المهني على العمل الخيري في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يثلج صدري، إلا أنني أرى أن هناك ثلاث قيم أساسية يتعين علينا أن نتبناها إذا كنا نطمح حقاً إلى تحقيق التقدم وتحويل مجتمعاتنا والقطاع الخيري لإرث يفخر به أولادنا وأحفادنا.
القيمة الأولى التي أريد التحدث عنها اليوم هي التواصل. فبينما يركز المجتمع على الدعم الداخلي والتضامن، فإن التواصل يحثنا على توسيع النطاق وربما الخروج عن منطقة الراحة والشعور بالأمان الخاصة بنا. إنه يتطلب منا الابتعاد عن مكاتبنا واجتماعاتنا وأساليب عملنا المعتادة والمشاركة بشكل هادف على الأرض والتواصل مع الأشخاص المختلفين عنا تماماً.
لكننا في الكثير من الأحيان نعقد أن تمويلنا وحده هو ما يجعل التغيير ممكناً. وقد نقنع أنفسنا بأنه يمكن إدارة التمويل بسهولة من مكاتبنا.
خلال أيامي الأولى في العمل في هذا المجال عندما كنت مسؤولة برامج في مقتبل العمر في مؤسسة فورد تحت قيادة الدكتور جون جيرهارت الحكيمة، تعلمت منه أن ما يعيق تقدم الجهات المستفيدة من المنح في كثير من الأحيان ليس نقص التمويل وإنما الافتقار إلى التواصل. لقد كان الأمر يتعلق بإخراج هذه الجهات من عزلتها، وتسهيل الشراكات مع صانعي السياسات، وتزويدها بالمعلومات والمعارف اللازمة لاتخاذ خطوات مهمة تمكنها من التقدم إلى الأمام.
ومن الأمثلة الأخيرة على هذا المبدأ ما حدث في القاهرة في أعقاب السابع من أكتوبر، عندما وجدت مدينتنا نفسها فجأة تعج بممثلي المنظمات الإنسانية الدولية. لقد جمعوا مبالغ هائلة من التمويل وذهبوا إلى هناك لتوفير الدعم والإمدادات لقطاع غزة. مع ذلك، كانت هذه المنظمات تفتقر إلى العلاقات المحلية ولم تكن على دراية بكفية التعامل مع الجهات الحكومية. ونتيجة لذلك شهدنا الكثير من الازدواجية في الجهود وعدم الكفاءة داخل النظام.
ذهبت إلى هناك من دون تمويل لكنني كنت أحمل في جعبتي شبكة قوية من العلاقات التي كونتها على مر السنين مع كل من المجتمع المدني ومجتمع المساعدات الإنسانية اللذين يتمتعان بصلات مع الحكومة.
وقد تلا ذلك بذل جهود مكثفة لربط الوكالات الدولية بالموارد والكيانات المحلية القادرة على تقديم المساعدة. فقد وجدنا أن العديد من هذه المنظمات كانت ترسل دون داع الإمدادات الطبية التي كان من الممكن شراؤها بسهولة وبتكلفة أقل من القاهرة.
وهكذا، بدأنا بتجميع قوائم تتضمن ما يمكن الحصول عليه بسهولة من السوق المحلية، مثل الشاش والمحاقن وأنواع محددة من الأدوية. في الوقت نفسه، كان هناك نقص شديد في بعض الأدوية في القاهرة، مما سلط الضوء على التأثير السلبي المحتمل لاستنزاف وكالات الإغاثة للمخزونات المحلية وحرمان الشعب المصري منها.
ولذلك، تم مرة أخرى وضع قوائم تتضمن تفاصيل الأصناف التي يمكن الحصول عليها من الموردين الخارجيين بمستوى أعلى من الفعالية والكفاءة. هذه هي العلاقات التي قد لا تدرك أنك تمتلكها حتى تظهر الحاجة إليها، لتجد أن مساهمتك الأكثر قيمة وتأثيراً ستتمثل في تعزيز الاتصالات وتسهيل التعاون.
أما القيمة الثانية التي أود التحدث عنها هي المنظور النقدي. لكنني أريد أن أوضح أنني بكلمة "نقدي" لا أقصد مجرد النقد، وهو تفسير شائع حتى في الترجمات. وأنا لا أشير هنا إلى المصطلح العربي "التفتيش" الذي يحمل حساسية كبيرة في ثقافتنا.
ما أعنيه بالمنظور النقدي هو التأمل بداخلنا وسؤال أنفسنا: هل نحن بحاجة إلى إعادة النظر وتغيير الطريقة التي نعمل بها للاستجابة بشكل أفضل للعالم المتغير من حولنا؟
هل يمكننا توسيع نطاق تفكيرنا إلى ما هو أبعد من الأدوات التقليدية التي قد نشعر بالارتياح لاستخدامها واستكشاف البدائل التي يمكن أن تعزز تأثيرنا بشكل كبير؟ وهنا في مصر، لدينا مثال رائع من قطاع الصحة. كان الممول في البداية يبني عيادات لطب العيون في جميع أنحاء البلاد، لكنه شعر فجأة أن عليه استخدام موارده بشكل أكثر فعالية فقام بتمكين المجتمعات المحلية من بناء عياداتها الخاصة. وبدلاً من تمويل أعمال البناء مباشرة، قدم ضمانات القروض المصرفية التي مكنت المجتمعات المحلية من القيام ببناء العيادات بنفسها.
وهناك العديد من الأمثلة الشبيهة، لكن ما نحتاج إليه اليوم من أجل مواجهة التحديات الكبيرة هو تحديد الاحتياجات التي لم تتم تلبيتها.
تمثلت إحدى المشاكل التي واجهناها في بحثنا في مركز جيرهارت في تجميع النشاط الخيري في قطاعات فرعية محددة مثل التعليم والصحة والفقر وقضايا المرأة. مع ذلك، هناك احتياجات ملحة أخرى تتعلق بالمساعدة القانونية، ودعم اللاجئين، وتغير المناخ، وغيرها. علاوة على ذلك، نحتاج الآن أكثر من أي وقت مضى إلى مؤسسات خيرية تتمتع بالمعرفة والاستعداد للعمل على قضايا حل النزاعات وبناء السلام. من هنا فإن السؤال الذي يمكننا أن نطرحه على أنفسنا هو ما إذا كان بإمكاننا تلبية الاحتياجات غير الملباة أو معالجة القضايا المعقدة داخل قطاعنا التي لم تتم معالجتها حتى الآن من قبل الآخرين.
"السؤال الذي يمكننا أن نطرحه على أنفسنا هو ما إذا كان بإمكاننا تلبية الاحتياجات غير الملباة أو معالجة القضايا المعقدة داخل قطاعنا التي لم تتم معالجتها حتى الآن من قبل الآخرين".
القيمة الثالثة هي الشجاعة. وأعني بها نوع الشجاعة التي تشق مسارات جديدة وتتحدى الوضع الراهن لدى الجميع تقريباً.
فهل نقوم بما يكفي من الجهود لتعزيز الشجاعة داخل منظماتنا؟ هل نقوم بتمكين موظفينا من تحمل المخاطر، واستكشاف أفكار جديدة، وربما الفشل، فهم على الأقل سعوا جاهدين ليكونوا أكثر فاعلية.
هل ننمي ثقافة يتم فيها التسامح مع الفساد في الأمور الصغيرة أو بعض التجاوزات، ثم نأسف لاحقاً على الفساد الأوسع نطاقاً في مجتمعاتنا؟ هل نبني ثقافات مؤسسية تتسم بالشجاعة والجرأة في مواجهة التحديات التي نلحظها من حولنا؟
إذا كنا نهدف حقاً إلى التصدي للقضايا المهمة في عالمنا ــ مثل قضايا عدم المساواة، والتمييز، والظلم ــ فيتعين علينا أن ننمي الشجاعة. حتى لو شعرنا بالعجز عن إحداث تغيير هائل، يمكننا أن نبدأ بذلك بطرق بسيطة.
تحتل غزة قلوبنا وعقولنا حالياً. ومن المفهوم أننا نشعر أنه بغض النظر عن كل الجهود نبذلها نحن أو مؤسستنا فإننا لسنا قادرين على وقف إراقة الدماء المستمرة. لكن التاريخ يعلمنا أن البنادق في نهاية المطاف سوف تصمت. وستأتي لحظة يتوقف فيها الجميع لالتقاط أنفاسهم، وسيتطلب ذلك أكثر من مجرد رفع الشعارات كالدعوة إلى التغيير السياسي أو حل الدولتين.
إن ما نحتاج إليه حقاً على أرض الواقع هو الإجراءات العملية التي أثق تماماً من أن المؤسسات الخيرية العربية قادرة على البدء في التصدي لها الآن.
فكر في المجالات التي تتمتع بها أو مؤسستك بميزة نسبية: هل يمكن لشركتك أو الشركة التي تعمل بها تطوير التقنيات التي يمكننا نقلها إلى سكان غزة ليتمكنوا من إعادة بناء شبكات المياه بفعالية؟ هل يمكنكم حشد المعلمين المتطوعين لإعطاء الدروس في الخيام لحين التمكن من إعادة بناء المدارس؟ ربما يمكن لعمل بسيط كإرسال المتطوعين لتقديم جلسات فنية وثقافية أن يوفر الدعم الذي تشتد الحاجة إليه للأطفال المصابين بصدمات نفسية، والذين سيحتاجون إلى الحب والاهتمام لسنوات عديدة قادمة. هل يمكنك مساعدة ذوي الإعاقة عن طريق إرسال الخبراء في العلاج الطبيعي؟
أعتقد أنه سيكون هناك طرق لا حصر لها للتخطيط بشكل تعاوني والتفكير في المستقبل، وإظهار الشجاعة في مكان نهتم جميعاً لأمره ويشهد معاناة هائلة. دعونا نتحد كمجتمع خيري، ونتحلى بالشجاعة ونوظف علاقتنا ومنظورنا النقدي من أجل الخير.
ملاحظة: هذه نسخة منقحة من الكلمة الرئيسية التي ألقتها باربرا خلال فعالية نظمتها منصة سيركل في مارس 2024.
It's a good idea to use a strong password that you're not using elsewhere.
Remember password? Login here
Our content is free but you need to subscribe to unlock full access to our site.
Already subscribed? Login here