اتباع نهج شمولي
دينا شريف وخديجة با تتحدثان عن أهمية التعمق أكثر لإحداث تحول في العمل الخيري
الأربعاء, 31 يناير 2024
دينا شريف وخديجة با تتحدثان عن أهمية التعمق أكثر لإحداث تحول في العمل الخيري
الأربعاء, 31 يناير 2024
دينا شريف هي المدير التنفيذي لمركز ليجاتوم للتنمية وريادة الأعمال في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا. شغلت شريف في السابق منصب مدير مجلس ويلارد براون للأعمال الدولية في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، فضلاً عن المدير المؤسس لمركز ريادة الأعمال، وشاركت في تأسيس مركز جون د. جرهارت للأعمال الخيرية والمشاركة المدنية التابع للجامعة الأمريكية بالقاهرة.
خديجة با هي مستشارة مستقلة تعمل مع مختلف أصحاب المصلحة ضمن مشهد ريادة الأعمال، لاسيما الشركات الناشئة وأصحاب رؤوس الأموال الاستثمارية ومؤسسات من قبيل مركز ليجاتوم التابع لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا. وتتركز مسيرة خديجة المهنية في كل من الولايات المتحدة والسنغال، حيث تولت أدواراً محورية في إدارة المشاريع وتحليل البيانات في منظمة ’إتش إس سي هيلث كير سيستم‘ HSC Health Care System غير الربحية، وقدمت خدمات استشارية في مجال تكنولوجيا المعلومات لشركة ’كي بي إم جي‘ KPMG، وشاركت في تأسيس مشروع ’إيد تيك‘ EdTech. كما حصلت خديجة على درجة الماجستير في إدارة الأعمال من كلية سلون للإدارة التابعة لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا.
في عالمنا المتغير باستمرار والذي يخطو خطوات سريعة، يكتسب مفهوم العمل الخيري الاستراتيجي جاذبية متزايدة، لاسيما بسبب قدرته على إحداث التغيير على مستوى الأنظمة. لكن الطبيعة المعقدة والمترابطة للتحديات التي يواجهها
عالمنا اليوم تستلزم استكشافاً أكثر عمقاً للأسباب الجذرية لهذه التحديات، بدلاً من التركيز على تخفيف الأعراض فقط. فببساطة لم يعد بوسعنا الاكتفاء بالحلول المؤقتة للتحديات المجتمعية العميقة، ولم يسبق لنا أن شعرنا بالحاجة الملحة إلى إحداث تغيير شامل في الأنظمة كما نشعر بها اليوم.
ولكي يتمتع العمل الخيري بقدرة حقيقية على التغيير، لا بد له من التعمق أكثر في الشبكة المعقدة من العوامل التي تعمل على إدامة التحديات وفهمها بالشكل الصحيح. ويستلزم ذلك من روّاد العطاء والمحسنين استثمار الوقت الكافي لتشخيص تحد معين بدقة، بما في ذلك فهم أصحاب المصلحة الذين لا بد أن يكونوا جزءاً من الحل.
لننظر إلى الفقر على سبيل المثال. ففي حين أن التبرع بالطعام والملابس قد يقدم إغاثة فورية، لكنه لا يقدم الكثير للتصدي للمشاكل النظمية مثل التوزيع غير العادل للموارد، ومحدودية الوصول إلى التعليم، والسياسات التمييزية الراسخة على أساس العرق أو الجنس.
ومن أجل انتشال المجتمعات من الفقر بشكل حقيقي، يجب على الجهات الخيرية توجيه الموارد إلى المبادرات التي تعمل على تفكيك هذه الحواجز النُظمية، والمشاركة في صنع الحلول بدلاً من تقديم الإحسان والتبرعات فقط.
تاريخياً، كان النهج الخيري في التعامل مع المشاكل المجتمعية يتبع مسارا خطياً نوعاً ما: العثور على منظمة غير حكومية ذات سمعة جيدة وتمويلها وتأمل أن يأتي ذلك بنتائج إيجابية. مع ذلك، فإن التحديات التي نواجهها اليوم تتطلب الابتعاد عن هذا النهج المبسط للغاية، بل يتعين على المؤسسات الخيرية أن تعمل على تنمية فهم شامل للقضايا المطروحة وتحليلها لتحديد المجالات التي يمكن إحداث تأثير حقيقي فيها.
1. التعاون مع مجموعة متنوعة من أصحاب المصلحة بما في ذلك الحكومات الوطنية والقطاع الخاص والمجتمعات المحلية. هذه ضرورة وليس خياراً. فالتصدي بفعالية للتحديات المعقدة يتطلب اتباع نهج يجمع بين وجهات النظر العالمية الواسعة النطاق والمعرفة المحلية الدقيقة. وفي حين أن التغييرات الرفيعة المستوى في السياسات قد تشير إلى حدوث تقدم، إلا أن التغيير الأكثر استدامة عادة ما يتحقق من خلال استجابة المبادرات الشعبية. وهذا النهج لا يخلو من التحديات، فكل صاحب مصلحة تحركه دوافع مختلفة، ولذلك ليس من السهل دائماً تنسيق الاستجابة بطريقة تضمن تركيز جميع أصحاب المصلحة على هدف مشترك. مع ذلك، فإن الطريق نحو تغيير مجدي على مستوى الأنظمة لا يتم تمهيدها فقط من خلال التوصل إلى اتفاق بالإجماع وإنما من خلال تعزيز بيئة يتم فيها سماع الأصوات المتنوعة وتقديرها ودمجها في عمليات صنع القرار.
وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تبرز مؤسسة ساويرس للتنمية الاجتماعية كواحدة من المؤسسات المحلية الرائدة في مصر. فهذه المؤسسة، التي تأسست عام 2001 وتركّز على إحداث تغيير اجتماعي واقتصادي دائم وشامل، تتصدى للقضايا الحاسمة التي تواجه الفئات الأكثر تهميشاً، لاسيما الفقر والبطالة والافتقار للوصول إلى التعليم. وغالباً ما يتضمن نهج مؤسسة ساويرس التعاون مع الهيئات الحكومية والقطاع الخاص لضمان استجابة متعددة الأوجه للتحديات الملحة التي تواجهها مصر وتنفيذ مبادرات مبتكرة ومتجذرة في الفهم العميق للاحتياجات المحلية. اقرأ المزيد
بالمثل، تتبنى مؤسسة عبد الحميد شومان نهجاً شمولياً لتعزيز التقدم الثقافي والعلمي في الأردن والأراضي الفلسطينية المحتلة. وتركز هذه المؤسسة التي قام بتأسيسها البنك العربي على إنشاء مراكز للمعرفة والإبداع في جميع أنحاء الأردن والعالم العربي. ومن خلال الاستثمارات في الابتكار الثقافي والاجتماعي، تهدف مؤسسة عبد الحميد شومان إلى التأثير بشكل إيجابي على المجتمعات التي تخدمها. وإدراكاً منها بأن الرخاء المستدام يعتمد على تقدير الشباب للعلوم والتكنولوجيا والثقافة في آن واحد، فإن المؤسسة تعطي الأولوية للمبادرات التي تشمل جميع هذه الجوانب معاً. اقرأ المزيد
ومن الأمثلة البارزة الأخرى مؤسسة التعاون، وهي منظمة فلسطينية غير حكومية رائدة تعمل على تحديد ودعم المبادرات التي تهدف إلى تلبية الاحتياجات المجتمعية الملحة وتمكين الأجيال القادمة لتحقيق تأثير دائم ومستدام. ونظراً للمشهد الاجتماعي والاقتصادي المعقد في فلسطين، تتبنى المؤسسة نهجاً قائماً على الشراكة مع المستفيدين والمنظمات التنموية ومؤسسات القطاع العام الأخرى لضمان تحقيق التغيير المستدام. وتتميز المؤسسة أيضاً بمشاركتها المكثفة مع المجتمعات المحلية، وبالتالي المساهمة في تحقيق الهدف الشامل المتمثل في الحفاظ على الهوية والتراث الفلسطيني في ظل الظروف الصعبة. اقرأ المزيد
2. استخدم البيانات لتوجيه وإثراء مساعيك الخيرية. توفّر البيانات وضوحاً بشأن المجالات التي تكون فيها الاحتياجات أكبر وكيفية أداء التدخلات وماهية التعديلات اللازمة. لكن لا يجب أن يكون جمع البيانات بالنسبة لرواد العطاء مجرد سعي أكاديمي؛ بل ينبغي أن يكون بمثابة بوصلة ترشدنا نحو تدخلات مدروسة بشكل أكبر وذات جدوى أعلى.
على سبيل المثال، يستخدم صندوق لومينوس بيانات في الوقت الفعلي لتتبع دورة الحياة الكاملة لمبادراته، بدءاً من الفكرة وحتى التنفيذ الكامل. ويسهّل هذا النهج إجراء تعديلات فورية على المستوى الميداني في الطريقة التي يتم فيها تقديم البرامج التعليمية وتزويد المعلمين والمشرفين بالملاحظات في الوقت المناسب، مما يمكّنهم من تنفيذ التغييرات الضرورية بسرعة وفعالية، دون انتظار دورة أكاديمية جديدة. اقرأ المزيد
"من أجل انتشال المجتمعات من الفقر بشكل حقيقي، يجب على الجهات الخيرية توجيه الموارد إلى المبادرات التي تعمل على تفكيك هذه الحواجز النُظمية، والمشاركة في صنع الحلول بدلاً من تقديم الإحسان والتبرعات فقط".
3. إنشاء نماذج تمويل متنوعة. يجلب كل مانح وجهة نظر ورؤية فريدة إلى الطاولة. وتكمن التحديات والفرص في تنسيق هذه الاهتمامات المتنوعة في مهمة واحدة ترتكز على هدف مشترك. ولذلك فإن تبني نموذج تمويل مرن يقدر اهتمامات مختلف الجهات الخيرية ويدمجها يسمح لنا بتسخير هذه التنوع الغني لتحقيق تحولات حقيقية.
يعد صندوق إنهاء الأمراض المهملة The End Fund، مبادرة خيرية مكرّسة للقضاء على أمراض المناطق المدارية المهملة ويضم مجموعة متنوعة من الجهات المانحة. ينجذب بعض هذه الجهات إلى التركيز على مكافحة الأمراض المدارية المهملة، بينما يعطي بعضها الآخر الأولوية لمعالجة الفقر الذي تسببه، كما تهتم جهات مانحة أخرى بمبادرات أكثر استهدافاً إذ تدعم البرامج التي تستهدف مرضاً معيناً أو بلداً محدداً. واستجابة لذلك، قام صندوق إنهاء الأمراض المهملة بتطوير آليات تمويل مختلفة لضمان شعور كل جهة مانحة بارتباطها بالقضية التي تناصرها. اقرأ المزيد
إن مستقبلنا الجماعي وقدرتنا على إصلاح العديد من الأنظمة المعيبة المحيطة بنا لا يعتمد فقط على الموارد المالية التي نخصصها للعمل الخيري، بل يعتمد أيضاً على الفروق الدقيقة في نهجنا، وشمولية جهود التعاون التي نقوم بها، وقدرتنا على الإبداع المشترك، بالإضافة إلى الطريقة التي نستخدم فيها البيانات من أجل الدفع بعملية صنع القرار.
وعلى الرغم من اختلاف دوافعنا الفردية، إلا أن هدفنا الجماعي يظل ثابتاً وهو بناء عالم أفضل وأكثر ازدهاراً وإنصافاً للجميع.
إن دور رائد العطاء العصري أصبح أكثر تعقيداً من أي وقت مضى، ويتطلب فهماً واسعاً وبصيرة عميقة، واستعداداً للتكيف، وتفانياً لا يتزعزع لإحداث تأثير حقيقي.
ومع استمرار تطور مشهد العمل الخيري، فلنجعله رمزاً للأمل والتفاؤل يثبت أنه عندما تتحد العقول المتنوعة من أجل تحقيق هدف مشترك وبصيرة استراتيجية، فإن التغيير الهائل لا يصبح ممكناً فقط وإنما يصبح حتمياً.
في عام 2023، أدارت دينا شريف حلقة نقاش جمعت كيتلِن بارون، الرئيس التنفيذي لصندوق لومينوس، وإيلين أغلر، الرئيس التنفيذي لصندوق إنهاء الأمراض المهملة، ونيك غرونو، الرئيس التنفيذي لصندوق الحرية. اقرأ المزيد
It's a good idea to use a strong password that you're not using elsewhere.
Remember password? Login here
Our content is free but you need to subscribe to unlock full access to our site.
Already subscribed? Login here