عشر سنوات من التأثير

رئيس صندوق الحرية السابق آلان ماكورميك يتحدث عن عقد من الدروس المستفادة من الحرب ضد العبودية

Safal Karki Nmxojrqxx7g Unsplash

آلان ماكورميك هو شريك في مؤسسة ’ليغاتوم‘، وهي شركة استثمار عالمية يقع مقرها في دبي. أنشأت ’ليغاتوم‘ ثلاثة مشاريع خيرية متميزة هي: صندوق إنهاء الأمراض المهملة End Fund، وصندوق لومينوس Luminos Fund ،الذي يساعد الأطفال غير الملتحقين بالمدارس على العودة إلى الفصول الدراسية وصندوق الحرية Freedom Fund لمحاربة العبودية. وقد شغل ماكورميك منصب رئيس مجلس إدارة صندوق الحرية منذ إنشائه حتى عام 2024. وقد أخذ هذا المقال من خطاب ألقاه ماكورميك في حفل الذكرى السنوية العاشرة لتأسيس الصندوق.

 غالباً ما يخطئ الناس عندما يعتقدون أن العبودية ما هي إلا مشكلة من الماضي. وفي العديد من البلدان تكون العبودية شديدة الارتباط بالماضي لدرجة تجعل الناس يشعرون بالحاجة إلى استخدام مصطلح "العبودية الحديثة" عند الإشارة إلى الممارسة في عصرنا الحالي.

مع ذلك، لا تزال العبودية منتشرة بشكل مثير للقلق في جميع أنحاء العالم، حيث يقدر عدد الأشخاص الذين يعيشون حالياً تحت وطأة السُخرة والعمل القسري بنحو 50 مليون شخص. إنها وصمة عار في جبين حضارتنا؛ فالعبودية تعيق تحقيق الرخاء، وتدمر حياة الناس، مما يضع على عاتقنا التزاماً أخلاقياً بالقضاء عليها.

لقد بدأ وعيي بهذه المشكلة منذ نعومة أظفاري، فعندما كنت في الثانية عشرة من عمري، استرعى اهتمامي مشروع في مادة التاريخ حول ويليام ويلبرفورس وإلغاء تجارة الرقيق ولا يزال اهتمامي بهذه القضية قائماً حتى يومنا هذا.

كانت العبودية ممارسة منتشرة جداً عبر تاريخ البشرية، وكان بلدي بريطانيا أحد المستفيدين الرئيسيين منها.  وقد تطلب الأمر بذل جهود حثيثة من قبل مجتمع متفان من دعاة إلغاء العبودية، في البداية كتجارة ومن ثم كممارسة في جميع أنحاء الإمبراطورية البريطانية، من أجل القضاء عليها.

أتذكر أنني كنت منبهراً بالكيفية التي يمكن بها لثقافة أن تتحول بشكل كامل، متحدية المصالح الاقتصادية المكتسبة والتي تمت خسارتها في النهاية بسبب وضع هذا التشريع وتنفيذه. لقد ظلت هذه الفكرة راسخة في ذهني، وكذلك حماسي للتصدي للعبودية وإلغائها بجميع أشكالها وفي كل مكان في العالم.

وبعد سنوات، عندما ساعدت في تأسيس مؤسسة ’ليغاتوم‘ Legatum، أدركت أن عقلية المستثمر ومهارات مؤسستنا يمكنها أن تسرع الجهود الرامية إلى إنهاء هذه الممارسة الخبيثة. بدأنا بإجراء أبحاثنا واكتشفنا أن التدابير الحالية لمكافحة العبودية لم تكن فعّالة. كان نشاط المنظمات غير الحكومية مشرذماً إذ كان العديد منها يعمل بصورة مستقلة وغالباً ما كانت المنظمات على خلاف مع بعضها البعض.

كشفت أبحاثنا أن نحو 100 مليون دولار فقط من الأموال الخيرية يتم إنفاقها سنوياً على مكافحة العبودية، ولم يصل سوى القليل من هذه الأموال إلى الخطوط الأمامية، حيث يحدث التغيير الحقيقي. في المقابل، بلغت قيمة المنظمات الإجرامية التي تدير الأنشطة المرتبطة بالعبودية ما يصل إلى 32 مليار دولار.

"نأمل أن يتقدم ممولون آخرون لدعم جهودنا والانخراط في نهج العمل الخيري التعاوني".

آلان ماكورميك، الرئيس السابق لصندوق الحرية

 

وللتصدي لهذه المشكلة، بدأت مؤسسة ’لغاتوم‘ بإجراء اختبارات تقوم على التجربة والخطأ. لقد بدأنا العمل بتطوير نظرية للتغيير لتحقيق بعض التماسك بين المنظمات غير الحكومية المتنافسة وأقمنا روابط وشراكات بين المجموعات التي لم يكن لها في السابق علاقة تذكر ببعضها البعض.

كما كنا رائدين في اتباع نهج التمويل المباشر، الذي أطلقنا عليه في البداية مسمى "المبادرات الاستراتيجية"، وأصبح يُعرف فيما بعد بنموذج "النقطة الساخنة". لقد ركّز هذا النهج على توجيه الأموال إلى أعلى تجمعات للعبودية ومباشرة للمنظمات المحلية العاملة على الخطوط الأمامية.

وقامت مؤسسة ’ليغاتوم‘ بتمويل هذا النهج لأول مرة في منطقة بحيرة فولتا في غانا ثم دعمت لاحقاً سلسلة من أكثر من 40 مشروعاً تمتد من كاتماندو إلى مومباي.

ولا بد أن نذكر أننا نضع المقاييس في صميم جميع أنشطتنا لأنه من دون قياس التأثير يصبح من المستحيل لنا معرفة ما إذا كانت جهودنا ناجحة أم فاشلة. وتضمن جزء من هذه التدخلات تمويل الأبحاث لإثبات الاستراتيجيات التي تستخدمها المجموعات على المستوى المحلي وكان لذلك دور فعال في نجاحاتنا.

وفي عام 2013، ولتوسيع نطاق عملنا، اشتركنا مع منظمة ’هيومانيتي يونايتد‘ Humanity United ومنظمة ’ووك فري‘ Walk Free لإنشاء صندوق الحرية، وهو  منظمة غير ربحية يقع مقرها في المملكة المتحدة.

وبعد عقد من الزمن، قمنا بحشد أكثر من 225 مليون دولار من رأس المال الخيري وقدمنا الدعم لأكثر من 225 منظمة مجتمعية على الخطوط الأمامية في معركة القضاء على العبودية. وأود أن أذكر هنا أن أنشطة صندوق الحرية أثرت على حياة 1.5 مليون شخص وحررت أكثر من 30,000 شخص.

مع ذلك، فإننا نعلم أن عملنا لم ينته بعد، فتقديراتنا تشير إلى أن التمويل الحالي الذي يستهدف أنشطة القضاء على العبودية يتراوح بين 200 مليون دولار و250 مليون دولار فقط سنوياً. أما أبحاثنا فتشير إلى أن إنهاء العمل القسري لن يتحقق حتى يصل هذا المبلغ إلى 500 مليون دولار أو أكثر من ذلك.

ونرى أن صندوق الحرية قد أسس نموذجاً يوضح لنا كيف يمكننا التخفيف من هذه الممارسة المؤسفة - والقضاء عليها تماماً في نهاية المطاف. ويبقى السؤال الأهم هو ما إذا كانت الإرادة موجودة لمواصلة التصدي لهذا التحدي والتغلب عليه حتى النهاية. ولذلك نحن نأمل أن يتقدم ممولون آخرون لدعم جهودنا والانخراط في نهج العمل الخيري التعاوني.

عقد من الدروس المستفادة من صندوق الحرية

  1. صياغة رؤية واضحة ومشكلة واضحة بحاجة إلى إيجاد حل لها. فمن بدون هدف واضح، سيكون من الصعب معرفة ما تهدف إلى تحقيقه.
  2. اتباع نهج الاستثمار. إن تبني عقلية المستثمر يشجع على التفكير المنهجي حول تحقيق اقصى قدر ممكن من التأثير باستخدام الموارد المتاحة. فنحن نطرح السؤال ومن ثم نقوم بحساب "عائد الاستثمار".
  3. تحديد أهداف واضحة مع المقاييس المرافقة لها. عليك أن تحرص على الاستثمار في الرصد والتقييم لتتبع التقدم والنتائج في كل برنامج.
  4. التركيز على تمويل منظمات الخطوط الأمامية ذات القيادة المحلية. فالمجموعات المحلية تتمتع بأفضل فهم لما هو مطلوب على أرض الواقع من أجل التصدي للعبودية، وهي تقوم بذلك بكل شجاعة وبأقل قدر ممكن من الموارد. ولذلك فإن العمل مع هذه المنظمات يمكنك من الحصول على أعلى عائد على استثمارك من حيث التأثير.
  5. التفكير بشكل منهجي. ففي حين أن الجهود على الخطوط الأمامية مهمة للغاية، فمن المهم بنفس القدر التواصل مع أصحاب المصلحة الآخرين، لا سيما الناجون الذين قد تكون رؤيتهم ذات قيمة كبيرة، فضلاً عن الجهات الحكومية، والقطاع الخاص، والحركات الاجتماعية، ووسائل الإعلام، الذين يلعبون جميعا أدواراً حيوية في الدفع بعجلة التغيير.
  6. توحيد الجهود مع الآخرين. فالموارد المتاحة محدودة للغاية والتحدي أكبر من أن تتمكن من تمويله بمفردك. يمكن للتعاون مع الممولين الآخرين من خلال منصة جماعية مثل صندوق الحرية أن يسهم في تركيز الموارد وتعزيز الإنتاجية في القطاع.
  7. طرح الكبرياء والأجندات جانباً. يجذب هذا القطاع أفراداً من وجهات نظر متنوعة، مما قد يؤدي إلى تجميع الموارد وزيادة التركيز ولكن ذلك يحمل في طياته تحديات أيضاً. من هنا لا بد من طرح الأنا وجداول الأعمال جانباً حتى تنجح مبادرة كهذه.