تاتيانا دراوشكي–موراديان هي مسؤولة برامج في مؤسسة «دبي العطاء»، حيث تقود تنمية الطفولة المبكرة وتشرف على حافظة التحول الرقمي والاتصال في المؤسسة. وتحمل درجة ماجستير العلوم في السياسة العامة الدولية من كلية لندن الجامعية، وعملت في العديد من وكالات الأمم المتحدة في أدوار تتعلق بالبيانات والتحليل. وتاتيانا شغوفة بجعل تنمية الطفولة المبكرة متمركزة كاستثمار استراتيجي متعدد القطاعات.
تخيلوا معي عالماً تتاح فيه فرصة الازدهار لكل طفل—بصحة جيدة، وتغذية جيدة، واستعداد للتعلم من البداية. وهذا هو وعد تنمية الطفولة المبكرة، وهو حل قوي وفعال من حيث التكلفة لبعض أكبر التحديات في العالم، من الفقر وعدم المساواة إلى سوء الصحة وقابلية التعرض لتأثيرات المناخ.
ومع ذلك، يتخلف ملايين الأطفال كل عام عن الركب، ويفتقدون الدعم الذي يحتاجونه في أهم سنوات الحياة. والنتيجة؟ حياة كاملة من الفرص الضائعة—في الصحة والتعليم والرفاهية—وترسيخ عوائق نملك القدرة على إيقافها قبل أن تغلغل.
وقبل عقد من الزمان، استحوذت تنمية الطفولة المبكرة على اهتمام كبير كأولوية خيرية وسياسية. وسلطت الحملات الضوء على الأهمية الحاسمة لأول ألف يوم من الحياة. وعززت مبادرات مثل «سلسلة لانسيت» و «إعلان دبي» الزخم العالمي حول تنمية الطفولة المبكرة، بينما أعاد «إعلان طشقند 2022» التأكيد على الالتزامات العالمية برعاية وتعليم الطفولة المبكرة.
ومع ذلك، فإن تمويل المتابعة المحدود والافتقار إلى خطط عمل واسعة النطاق قد تركا الطموحات دون تحقيق.
واعتباراً من عام 2022، فلا يزال أكثر من نصف أطفال العالم الصغار يفتقرون إلى إمكانية الوصول إلى رعاية وتعليم أساسي في مرحلة الطفولة المبكرة (مصدر: البنك الدولي، 2021). وذهبت 1.4٪ فقط من مساعدات التعليم العالمي إلى التعليم ما قبل الابتدائي—وهو أقل بكثير من هدف الـ 10٪ (مصدر: عالمهم، 2024).
ويحمل هذا النقص المزمن في الاستثمار عواقب وخيمة ودائمة. وإن إهمال تنمية الطفولة المبكرة لا يحد من الإمكانات الفردية فحسب—بل يُضعف رأس المال البشري، ويقوّض الاستقرار الاقتصادي، ويُؤخر التقدم في مجتمعات بأكملها.
ولطالما أدى العمل الخيري إلى دفع التقدم، وسد الفجوات التي خلفتها الحكومات والأسواق، ولا سيما في البلدان النامية. وبطبيعته، فإن العمل الخيري يتبع التيارات العالمية، مما يعطي الأولوية للأزمات الملحة مثل تغير المناخ والتعافي بعد الجائحة.
ورغم الأهمية الحيوية لهذه القضايا، إلا أن هذا النهج القائم على رد الفعل يمكنه أن يهمش الاستثمارات المنهجية طويلة المدى. وتُُعد تنمية الطفولة المبكرة أحد هذه الاستثمارات المهمشة: إذ هي استراتيجية تحويلية وقائمة على الأدلة قد خرجت بصمت من دائرة الضوء.
ولكن العمل الخيري ليس سوى جزء من اللغز. وغالباً ما يؤدي تحيزنا الجماعي للحاضر—وهو الميل إلى تفضيل المكاسب السريعة على الحلول طويلة المدى—إلى إعطاء الأولوية للتدخلات قصيرة المدى على الاستراتيجيات المستدامة.
ولا يتم تهميش تنمية الطفولة المبكرة بسبب نقص الأدلة، بل لأن نتائجها الأكثر قوة تستغرق وقتاً حتى تتجلي بالكامل. ويضاف إلى ذلك الفشل في إدماج تنمية الطفولة المبكرة في السياسات الأوسع نطاقاً. وفي حين أن الهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة (وهو التعليم الجيد) يسلط الضوء بكل وضوح على تنمية الطفولة المبكرة، إلا أن سياسات التعليم الوطنية عادة ما تعطي الأولوية للتعليم الابتدائي والثانوي، وتهمل السنوات الأولى الحاسمة. وإن تجاهل هذه المرحلة هو أشبه ببناء منزل دون أساس متين.

أطفال في نيبال يستفيدون من برنامج دبي العطاء.
وعلى الرغم من إمكاناتها التحويلية، فإنه غالباً ما تقتصر تنمية الطفولة المبكرة على مجال التعليم المبكر، وتتجاهل أهميتها الأوسع في مواجهة التحديات العالمية الملحة مثل الفقر والصراعات وتغير المناخ والإنصاف.
وفي الواقع، إن تنمية الطفولة المبكرة في شكلها الشامل تجمع ما بين الصحة والتغذية والتعلم المبكر وتقديم الرعاية—مما يوفر أساساً قادر على تقوية الأسر ودعم المجتمعات وتزويد الأطفال بالمهارات التي يحتاجونها للازدهار.
وفكّروا في تنمية الطفولة المبكرة على أنها جذور شجرة. وبدون جذور قوية، فلا يمكن لأغصان التعليم والصحة والقدرة على الصمود في وجه تغير المناخ أن تزدهر. وعند النظر إليها من خلال هذه العدسة الأوسع، فلا تبرز تنمية الطفولة المبكرة كمجرد خدمة للأطفال وحسب، بل كاستراتيجية قوية ومتكاملة لبناء عالم أكثر إنصافاً واستدامة.
ولنأخذ تغير المناخ، على سبيل المثال. في كثير من الأحيان، تركز الاستراتيجيات المؤيدة للمناخ في التعليم على إجراءات مرئية قصيرة المدى—أي الألواح الشمسية، أو صناديق إعادة التدوير، أو دروس التوعية البيئية، أو زراعة الأشجار. وفي حين أن هذه الجهود جديرة بالثناء، إلا أنها تعتبر إسعافات مؤقتة—أي تدابير قائمة على رد الفعل وبالكاد تخدش سطح تحدٍّ أعمق بكثير وطويل المدى.
ومن ناحية أخرى بالمقابل، فإن تنمية الطفولة المبكرة قائمة على استراتيجية استباقية للصمود في وجه تغير المناخ وتتجاوز بكثير استراتيجيات "التخضير" التقليدية.
وعلى سبيل المثال، إن البرامج التي تدعم مرونة الأسرة تساعد المجتمعات المحلية على تخطي أوجه عدم اليقين المتعلقة بالمناخ. كما إن التدخلات الغذائية والصحية تضمن نمو أطفال مستعدين جسدياً ومعرفياً لمواجهة التحديات. وإن التعلم الاجتماعي والعاطفي يعزز القدرة على التكيف والتعاون—وهي مهارات لازمة للتنقل في عالم لا يمكن التنبؤ به وسريع التغير.
وفي ضوء هذا السياق، لا تقتصر تنمية الطفولة المبكرة على الرعاية والتعلم المبكر فقط؛ بل إنه يشمل كذلك العمل المناخي في أكثر أشكاله الأساسية.
وهذه ليست أفكاراً مجردة؛ بل إنها حلول عملية وقابلة للتوسعة وفعالة من حيث التكلفة.
ويمكن دمج تنمية الطفولة المبكرة في الأنظمة الحالية، مثل زيارات الرعاية الصحية، بتكلفة إضافية ضئيلة. كما يمكن أن تزدهر تنمية الطفولة المبكرة أيضا في البيئات غير الرسمية، باستخدام أدوات مثل ورش عمل الأبوة والأمومة، ومنصات التعلم المتنقلة، والمبادرات التي يقودها المجتمع المحلي للوصول إلى الأطفال المحرومين، بما في ذلك أولئك الذين يعيشون في حالات الأزمات والكوارث.
وحتى التدخلات البسيطة—مثل دعم الأبوة والأمومة—يمكن أن تؤدي إلى نتائج تحويلية، مما يثبت أن تنمية الطفولة المبكرة لا يجب أن تكون معقدة أو مكلفة لتكون فعالة. ومع ذلك، لضمان تأثير دائم، فلابد من دعم هذه البرامج بسياسات وطنية وتمويل ثابت.
ويُعد الأطفال هم الأكثر فئة عرضة للأزمات العالمية؛ ومع ذلك، فإن الخدمات التي يمكن أن تدعم نموهم المبكر غالباً ما تكون مفقودة أو مجزأة أو تعاني من نقص حاد في التمويل. وهذا الخلل ملفت للانتباه، نظراً لأن تنمية الطفولة المبكرة هي واحدة من أكثر الاستثمارات ذات البحث الجيد وعالية الأثر وفعالة من حيث التكلفة.
ولدى الممولين وصانعي السياسات فرصة حاسمة الآن: وهي الارتقاء بتنمية الطفولة المبكرة من الهامش، والاعتراف بها كحل قابل للتوسيع لمواجهة أكثر تحديات اليوم إلحاحاً—من عدم المساواة وسوء الصحة إلى القدرة على الصمود في وجه تغير المناخ والتماسك الاجتماعي.
ويبدأ بناء مستقبل مستدام بالاستثمار في الأصغر سناً؛ ولا شك إن معالجة التحديات من جذورها تحط الأساس للأجيال القادمة.
يُحصر تطوير الطفولة المبكرة في كثير من الأحيان في مجال التعليم المبكر، مما يغفل أهميته الأوسع في مواجهة التحديات العالمية الملحة مثل الفقر، والنزاعات، وتغير المناخ، والعدالة.
ويمكن دمج تنمية الطفولة المبكرة في الأنظمة الحالية، مثل زيارات الرعاية الصحية، بتكلفة إضافية ضئيلة. كما يمكن أن تزدهر تنمية الطفولة المبكرة أيضا في البيئات غير الرسمية، باستخدام أدوات مثل ورش عمل الأبوة والأمومة، ومنصات التعلم المتنقلة، والمبادرات التي يقودها المجتمع المحلي للوصول إلى الأطفال المحرومين، بما في ذلك أولئك الذين يعيشون في حالات الأزمات والكوارث.
وحتى التدخلات البسيطة—مثل دعم الأبوة والأمومة—يمكن أن تؤدي إلى نتائج تحويلية، مما يثبت أن تنمية الطفولة المبكرة لا يجب أن تكون معقدة أو مكلفة لتكون فعالة. ومع ذلك، لضمان تأثير دائم، فلابد من دعم هذه البرامج بسياسات وطنية وتمويل ثابت.
ويُعد الأطفال هم الأكثر فئة عرضة للأزمات العالمية؛ ومع ذلك، فإن الخدمات التي يمكن أن تدعم نموهم المبكر غالباً ما تكون مفقودة أو مجزأة أو تعاني من نقص حاد في التمويل. وهذا الخلل ملفت للانتباه، نظراً لأن تنمية الطفولة المبكرة هي واحدة من أكثر الاستثمارات ذات البحث الجيد وعالية الأثر وفعالة من حيث التكلفة.
ولدى الممولين وصانعي السياسات فرصة حاسمة الآن: وهي الارتقاء بتنمية الطفولة المبكرة من الهامش، والاعتراف بها كحل قابل للتوسيع لمواجهة أكثر تحديات اليوم إلحاحاً—من عدم المساواة وسوء الصحة إلى القدرة على الصمود في وجه تغير المناخ والتماسك الاجتماعي.
ويبدأ بناء مستقبل مستدام بالاستثمار في الأصغر سناً؛ ولا شك إن معالجة التحديات من جذورها تحط الأساس للأجيال القادمة
دبي العطاء
إن مؤسسة «دبي العطاء» تضع تنمية الطفولة المبكرة في صميم استراتيجيتها التعليمية العالمية، وإنها مناصرة لنهج شامل متعدد القطاعات يتماشى مع «إطار عمل تعزيز الرعاية».
وحتى الآن، استثمرت المؤسسة أكثر من 41.5 مليون دولار أمريكي في 25 برنامجاً لتنمية الطفولة المبكرة في 19 دولة، ووصلت إلى أكثر من 7.1 مليون طفل ومقدم رعاية ومعلم.
ويمتد العمل إلى التعلم المبكر، والصحة، والتغذية، والحماية، والرفاه النفسي، ودعم الأبوة والأمومة—من خلال الإصلاحات على مستوى النظام وتقديم الخدمات المجتمعية.
وفي عام 2019، شاركت مؤسسة «دبي العطاء» في قيادة إطلاق إعلان دبي بشأن تنمية الطفولة المبكرة خلال القمة العالمية للحكومات، بالشراكة مع اليونيسف ووزارة الخارجية والتعاون الدولي في دولة الإمارات العربية المتحدة.
وقد مثّل الإعلان لحظة محورية في مواءمة الجهات الفاعلة العالمية حول النهج المتكاملة والمتعددة القطاعات لتنمية الطفولة المبكرة.
كما تلعب مؤسسة «دبي العطاء» دوراً محفزاً في المناصرة العالمية، حيث شاركت في تأسيس الاتحاد العالمي لتنمية الطفولة المبكرة، الذي يجمع ما بين الجهات المانحة والجهات متعددة الأطراف والمجتمع المدني لدفع عجلة العمل المنسق للأطفال الصغار في كل مكان.