دروس في الأثر

لقد غيرت فرصة لقاء عابر على جانب الطريق في دولة غانا قبل 10 سنوات حياتي بالمرة، وانطلقت في مسار جديد لإحداث أثر اجتماعي بعد عقود من السعي وراء الأرباح.

وإن إدارة عمليات «بروجيكت ماجي»، وهي مؤسسة اجتماعية غير ربحية تستخدم تكنولوجيا الطاقة الشمسية لتوفير وصول مستدام إلى مياه صالحة للشرب في المناطق الريفية بإفريقيا، كانت هي الرحلة الأكثر مكافأة في حياتي، ولكنها أيضاً خلقت تحديات كبيرة على طول الطريق.

وبالرغم من وجود أوجه تشابه ما بين الشركات التجارية ومنظمات الأثر، مثل المهارات القابلة للتحويل، والعمليات، والممارسات، إلا أن هناك أيضاً اختلافات كبيرة.

وفي هذه اللحظة، بينما نحتفل بالذكرى السنوية العاشرة لـ «بروجيكت ماجي»، فإنه يمكنني مشاطرة بعض الدروس التي تعلمتها على مدار العقد الماضي، حيث انتقلت من رجل أعمال يركز على الربح إلى رائد أعمال اجتماعي مدفوع بالأثر.

استغل ما تعرفه

بدأت رحلتي في إحداث الأثر عندما رأيت طفلين يشربان من بركة ملوثة بجانب الطريق. وكنت أعلم أنني أريد مساعدتهم ومساعدة قريتهم، ولكنني لم أكن أعرف شيئاً عن كيفية عمل ما يسمى بقطاع المياه والصرف الصحي والنظافة أو «WASH».

ومع ذلك، كنت أعرف قدراً لا بأس به عن الإلكترونيات، وتطوير المنتجات، وخطوط الإنتاج الصينية، بالإضافة إلى الخدمات اللوجستية العالمية، وكيفية إدارة الأعمال التجارية في غرب إفريقيا. ولذا، قررت استخدام ما أعرفه واكتشاف الباقي.

ولقد كانت رحلة تعلم معقدة ومليئة بالتفاصيل، ولكن امتلاك المعرفة بالجوانب التجارية كانت لا تقدر بثمن كما كانت تعني أنني لم أبدأ بالكامل من الصفر.

فهم السياق المحلي

عندما يحصل فاعلي الخير ورجال الأعمال الاجتماعيون على فكرة، فإنه يجب عليهم المضي قدماً في تنفيذها، أليس كذلك؟ وطالما أنهم يقصدون خيراً، فبالتأكيد يجب أن يكونوا الناس ممتنين لمداخلاتهم، أليس كذلك؟

خطأ؛ إذ لا فائدة من فعل ما تعتقد أنه صحيح ثم تأمل أن يقدره أولئك الذين تحاول مساعدتهم! وبتاتاً لن تدعم المجتمعات المحلية مشروعاً من منظمة تأتي فجأة وتقدم شيئاً دون استشارات أو توضيحات أو اتفاقات مناسبة.

وإن فهم السياق المحلي هو أمراً بالغ الأهمية، كما إن الانخراط العميق مع المجتمع المحلي يبقي هو العامل الأكثر أهمية لنجاح جميع مشاريعناً. ولدينا فرق محلية تعمل مع الزعماء المحليين، وشيوخ القرى، والسلطات المحلية ذات الصلة لتوضيح أهدافنا. ولا نقوم بتنفيذ المشاريع إلا من بعد مساهمتهم وموافقتهم أولاً. ونهدف دائماً إلى ضمان نشر مشاريعنا بشكل صحيح لتحقيق أثر طويل المدى، وليس فقط لتكون موجهة نحو لقطات دعائية أو لأجل تحقيق مكاسب قصيرة المدى للمانحين.

الابتكارات يمكنها أن تكون أيضاً ذات تقنية منخفضة

عندما نفكر في الابتكار، فإن تكنولوجيا عالية المستوى غالباً ما تتبادر إلى الذهن. ومع ذلك، فلقد تعلمت أن الابتكار الجيد يتعلق بالتبسيط بقدر ما يتعلق بأي شيء آخر.

وبالعمل في المناطق الريفية النائية، فإنه لا يتعين على «بروجيكت ماجي» الحفاظ على انخفاض التكاليف وحسب، بل يجب أن تكون معداتنا قوية أيضاً بحيث يمكننا الاعتماد عليها لفترة طويلة من الزمن ويمكننا إصلاحها بسهولة عند التعطل.

وقد تضمنت بعض مشاريعنا المبكرة استعمال البطاريات لتسهيل إمداد المجتمع المحلي بالمياه على مدار الساعة، ولكننا سرعان ما أدركنا أن البطاريات باهظة الثمن، وتتطلب الاستبدال السنوي، وعرضة للسرقة أيضاً.

ولذلك، قررنا إزالتها وأضفنا بدلاً منها زوجاً من الألواح الشمسية وفنطاس تخزين أكبر، مما يسمح لنا بضخ المزيد من المياه أثناء النهار وتخزينها للاستخدام الليلي.

وأدى هذا إلى إزالة التكنولوجيا غير الضرورية، وتوفير المال لنا، وزيادة متانة الكشك، وكل ذلك دون التأثير على راحة المستخدمين.

التعاون

يعد عدم الوصول إلى مياه صالحة للشرب بأنه إشكال رئيسي يؤثر على ما يقرب من نصف سكان العالم. وبالتالي، يتطلب الحجم المهول لهذه التحديات أن نتكاتف ونتعاون.

وبينما يميل المرء في العالم التجاري إلى القتال من أجل حصة السوق (وهي لعبة محصلتها صفر)، فإننا بالمقابل نزدهر بموجب التعاون في عالم الأثر.

وليس هناك شيء يمكن كسبه من «الدفاع عن السوق». إذ يمكننا جميعاً مشاركة الموارد، وأفضل الممارسات، والتوصل الجغرافي؛ وللأسف، هناك ما يكفي من المعاناة لإبقاء جميع المنظمات مشغولة لعقود قادمة.

كن مستداماً

إن منظمات الأثر تحتاج إلى التفكير منذ نقطة البداية في نموذجها المالي واستدامتها على المدى الطويل.

والعديد من القضايا التي تسعى منظمات الأثر إلى حلها هي موجودة في الأساس لأن معالجتها ليست مربحة للشركات التجارية. وفي اعتقادي، هذا يستلزم العطاء أو الاستثمارات المدعومة لجعل المشاريع قابلة للتنفيذ في المقام الأول؛ ومع ذلك، يجب على هذه المشاريع في المقام الثاني أن تستمر مالياً وباستقلال من التبرعات.

ويتطلب هذا الأمر تركيزاً صارماً على تطوير عمليات فعالة، والتي يمكن مساعدتها بشكل كبير من خلال التفكير في المستخدمين النهائيين على أنهم عملاء بدلاً من مستفيدين.

وفي حالة «بروجيكت ماجي»، فإن هذه العقلية قادتنا إلى تحديد رسوم رمزية لاستخدام المياه، والتزمنا في المقابل بالحفاظ على وظائف نقاط الوصول.

ولن تكون الإيرادات التي نكسبها من المياه أبداً كافية لدفع تكاليف تركيب الأجهزة، ولكن النطاق الواسع مكننا من جعلها كافية لتغطية تكاليف التشغيل المستمرة. وهذا يحمينا من نقص التبرعات، ويضمن استمرار جميع أجهزتنا الحالية في العمل بشكل مستقل.

أرسم خريطة لأثرك

عندما نعمل مع شركاء التمويل، وإذا لم نتمكن من تقديم عائد مالي لهم، فإنه من الضروري حينها أن نظهر الأثر الذي نحدثه على أرض الواقع بشكل كمي.

ومع مرور الوقت، كان علينا أن نتعلم كيفية تحديد نتائج عملنا ثم قياسها بدقة وكفاءة. وأحد أول الأشياء التي قمنا بفعلها كان هو بناء تقنية لمراقبة أكشاكنا عن بعد. وهذا قد سمح لنا بتتبع كمية المياه التي يستهلكها كل عميل يومياً، وبتقييم الأداء الفني لأنظمتنا.

وبالإضافة إلى ذلك، قمنا بتطوير منهجية لتسجيل الأثر المجاور. ويشمل ذلك عدد الساعات التي يتم توفيرها بعدم المشي لمسافات طويلة لجلب الماء؛ ومقدار الأموال التي يتم توفيرها عن طريق فقدان أيام عمل أو شراء أدوية للأمراض المنقولة بالماء؛ وعدد أيام التعلم الزائدة التي يمكن للفتيات الصغيرات حضورها بالمدارس لأنهن لا يقضين وقتاً في جمع الماء.

ونقوم بجمع كل تفاصيل العوائد الاجتماعية للاستثمار، ونشاطرها مع ممولينا.

حافظ على تركيزك

حينما بدأت «بروجيكت ماجي»، فإنه كان مشروعاً للمسؤولية الاجتماعية للشركات ضمن الأعمال القائمة لعائلتي. ومع نموها لتصبح كياناً مستقلاً، فإنني أدركت أننا لم نكن نغير حياة الآخرين بشكل إيجابي وحسب، بل إننا كنا نضع أيضاً مسؤولية كبيرة على عاتقنا.

وببناء شبكة المياه الخاصة بنا، فإننا كنا نتولى دور شركة مياه ريفية. وعلى الرغم من أن عملاءنا كانوا يدفعون مقابل المياه التي يستهلكونها، إلا أننا لا نزال ملزمون بالحفاظ على تشغيل هذه المرافق بشكل فعال وإلى أجل غير مسمى.

ولا نأخذ هذا الأمر باستخفاف؛ فهناك مؤشرات أداء رئيسية داخلية وصارمة للمحافظة على تركيز فريقنا ومواءمته. ونقوم كل صباح بتقييم النسبة المئوية لنقاط الوصول إلى المياه التي تعمل (وبحسب مؤشراتنا الداخلية، يجب ألا تنخفض هذه النسبة أبداً عن 95 في المئة)، ويجب إجراء أي إصلاحات في غضون خمسة أيام كحد أقصى.

كن متواضعاً

بلا شك لقد كنت محظوظاً بالدخول إلى عالم الأثر من موقع امتياز مالي شخصي. ولقد كان تعريض نفسي للناس، وقضاء الوقت معهم، في قرى عبر جميع أنحاء غانا وكينيا وأوغندا هو أمرا يدعو للتواضع.

ولقد قادني ذلك إلى التفكير في قيمي الخاصة، ومسؤوليتي في استخدام امتيازاتي لأجل الخير، وتشجيع الآخرين على الشروع في رحلة مماثلة من العطاء الراجع.

وفي خاتمة المطاف، فإنني أعتقد أنه أمر مجزي، وأعتقد أن الجميع مسؤولين عن اتخاذ خطوات نحو الحد من أوجه عدم المساواة الجسيمة التي تتواجد في العالم اليوم.