توقفوا عن العطاء لمجرد وضع علامة على مربع

تتحدث سارة بروك من مؤسسة «سباركل» عن سبب حاجتنا الماسة إلى نماذج مختلفة للمنظمات غير الربحية إذا أردنا إحداث تأثير حقيقي

Malawi Team

سارة بروك هي ناشطة إنسانية مقيمة في دبي، ومتحدثة دولية، ومؤسس مؤسسة «سباركل»، والتي هي مؤسسة خيرية شعبية تُغيّر حياة الناس في دولة ملاوي من خلال التعليم، والصحة، والتغذية، والبرامج التي يقودها المجتمع المحلي. ولقد أنشأت هذه المؤسسة الخيرية بعد أن نجت من مرض هدد حياتها في ملاوي، وهي تجربة قد شكّلت غايتها وعزيمتها في ضمان عدم تخلف أي طفل عن الركب. وتحمل سارة، التي كانت صحفية رياضية سابقة في الـ «بي بي سي»، درجة الماجستير في التنمية المستدامة، وتقدم خدمات استشارية لفاعلي الخير، والشركات، والمؤسسات، والمنظمات غير الحكومية.

في إقليم يحدده الطموح والابتكار والكرم، فإن الشرق الأوسط يتمتع بفرصة ثمينة لقيادة حقبة جديدة من العمل الخيري—حيث يمكنه أن يكون جريء، واستراتيجي، وتحويلي. ولكن أولاً، فلنكن صريحين: الكثير من العطاء العصري قائم على الأداء، والتوجيه، والسلبية بشكل خطير.

ومنذ اللحظة التي وصلت فيها إلى دولة الإمارات العربية المتحدة في عام 2013، فإنني قد رأيت أن هذه الأمة تأخذ الأثر على محمل الجد من خلال الزكاة، والمسؤولية الجماعية، وثقافة رعاية هي راسخة للغاية.

ومع ذلك، بعد ما يقرب من عقدين من العمل في هذا القطاع، فإنني ما زلت أشاهد نفس الأنماط تتكرر.

وتبلغ فجوات الأعمال الإنسانية العالمية الآن نحو 57 مليار دولار أمريكي. وبينما يتم جمع المليارات عبر الزكاة، والتعهدات الرمضانية، ومنح الشركات، والأموال الخيرية، إلا أن الكثير منها يبقي مجزأ، وغير متتبع، وغير مرتبط بالتغيير طويل المدى.

ولماذا؟ لأن العطاء أصبح يتعلق بالظهور ولا يتعلق بالجدوى. شيك ضخم؛ قميص يحمل علامة تجارية؛ منشور اجتماعي من حملة تنظيف. ولكن ماذا يحدث عندما ينكسر البئر؟ وعندما لا يتقاضى المعلم راتبه؟ وعندما يتلاشى المشروع ولا يبقي أحد للمساءلة؟

أنظروا فقط إلى انهيار خطوط أنابيب المساعدات الرئيسية—تقليص المساعدات الأمريكية، وإغلاق الجمعيات الخيرية، وتراجع ثقة المانحين. ومع ذلك—ما زلنا نتظاهر بأن هذا النموذج يعمل بنجاح.

"الكثير من العطاء العصري قائم على الأداء، والتوجيه، والسلبية بشكل خطير."

ولهذا السبب تُوجَد مؤسسة «سباركل»: ليس للإضافة إلى الضجيج؛ وليس لتكون مؤسسة خيرية أخرى تفعل نفس الشيء بشكل مختلف قليلاً—بل لتغيير النظام.

وتدير مؤسسة «سباركل» برامج تعليمية وصحية وتغذوية ومجتمعية للأيتام والأطفال المستضعفين ولمجتمعاتهم المحلية في دولة ملاوي—حيثما تكمن المشاركة المجتمعية في صميم كل ما نقوم به.

ومنذ إطلاقها في عام 2015، فإننا قد أثرنا على حياة أكثر من 30 ألف شخص من خلال نموذجنا التشغيلي القابل للتوسيع والمُطبّق لأفضل الممارسات—والذي يعمل بشكل نشط في أربعة مواقع مسجلة، وهذا مع موقع خامس يعمل الآن ذاتياً بالكامل بعد ثلاث سنوات فقط من التدريب المحلي وبناء القدرات.

وإلى هذه اللحظة، فلقد قمنا بتعليم 5 ألف طفل، ووفرنا 258 ألف وجبة، وقدمنا 26,963 علاجاً طبياً، ومكّنا 48 مجتمعاً محلياً، وأشركنا 500 متطوع من 88 دولة.

وبفضل 62 موظفاً متفانياً، ومزرعة تساهم في تمويل برنامجا الغذائي، فإننا نقوم ببناء أنظمة مستدامة من الألف إلى الياء عبر مزيج من التبرعات والمشاريع الاجتماعية.

Screenshot 2025 06 18 At 12.30.00 PM

توفير الطعام المغذي يمنح الأطفال الصغار أفضل بداية في الحياة.

ودعونا لا ننسى: إن القطاع غير الربحي هو ثاني أكبر قطاع في العالم—ومع ذلك فإننا لا نتعامل معه كعمل تجاري؛ إذ نُقصّر في تمويل قيادتها، ونقلل قيمة بنيتها التحتية، ونخشى الشفافية لأن ذلك قد يكلفنا الكثير من التمويل.

والنتيجة؟ الاعتماد على الغير، وتسيس المساعدات، والإرهاق، والتسليم المكسور. والأسوأ من ذلك كله—الصمت. وإذا تحدثتم علناً عن إساءة استخدام التمويل، فإنك تُخاطرون بالإدراج في القائمة السوداء، أو الإضرار بسمعتكم، أو الاستبعاد. وكيف يُفترض بنا أن نتحسن إذا أصبح الفشل أمراً قاتلاً؟

وفي مؤسسة «سباركل»، فإننا قد اخترنا مساراً مختلفاً. ونحن لا ندعي أننا خبراء في كل شيء؛ ولكننا نجمع ما بين الأشخاص الذين هم كذلك. ولقد قمنا ببناء نموذج تشغيلي يدوم مداه—ويتوسع نطاقه. وباستخدام الذكاء الاصطناعي والبيانات الآنية—وليس فقط مقاييس لأجل تقارير المانحين—فإننا نتتبع النتائج، ونتنبأ بالاحتياجات، وندرب القادة المحليين، ونبني أنظمة مرنة قادرة على العمل.

ولكن مثل هذه الأنظمة تتطلب الثقة—والتمويل. ولنكن واقعيين: لن تشتروا منزلاً دون مسح الأرض أو فحص الهيكل. فلماذا تستثمرون في مؤسسة خيرية دون القيام بنفس الشيء؟

وخلال فترة تدقيقي الميداني على المنظمات، فإنني غالباً ما أجد مواقع إلكترونية مصقولة تخفي سوء التسليم—وموظفين ملزمين باتفاقيات عدم الإفصاح. وهذه ليست أعمال خيرية؛ بل هذه أعمال علاقات عامة. وقد حان الوقت للعطاء بشكل مختلف.

The Farm View

مؤسسة سباركل تدير مزرعة في مالاوي لدعم المجتمع بطريقة شاملة.

 

فكروا كأصحاب رؤوس أموال مغامرة

عندما يستثمر أصحاب رؤوس الأموال المغامرة، فإن الأمر لا يقتصر على الأرقام فحسب، بل يتعلق الأمر بالمؤسس، وبدوافعه، وقيمه، ومرونته؛ لأنه عندما تصبح الأمور صعبة—وهو ما سوف يحدث—فهذا هو بالتعيين ما سوف يُبقي كل شيء متماسكاً.

والعمل الخيري لا يختلف عن ذلك. ولذا، لا ينبغي لكم تمويل شيء لمجرد أنه رائج، أو دعم مشروع إذا كنتم لا تؤمنون بالأشخاص الذين يقفون وراءه. وأطرحوا عليهم الأسئلة الصعبة، ولكن أسألوهم أيضا عما يحتاجونه للنجاح. وإذا كنتم تملكون خبرات—فأعطوها لهم. وإذا لم تكونوا تملكون ذلك—فعليكم الثقة بمن يمتلكونها.

وأرجوكم—توقفوا عن معاقبة الناس لبنائهم منظمات فعالة؛ فالأثر يتطلب بنية تحتية، ويحتاج إلى إدارة، وقيادة، ورواتب، وأنظمة.وفي مؤسسة «سباركل»، إننا لا نرهق موظفينا، بل نبنيهم ونرتقي بهم. ولا نتردد في قول "لا" للشركاء الذين لا يحترمون فريقنا. كما إننا نبني سوياً مع المجتمعات المحلية، وليس بالنيابة عنهم.

وفي دولة ملاوي، فإننا نخلق فرص عمل، وندرب الشباب، ونبني المدارس، والأهم من ذلك، الأنظمة، وهذا فضلاً عن إدارة المشاريع الاجتماعية. ولقد حوّلنا المتطوعين إلى صُناع تغيير، والمتبرعين إلى سفراء، والعائلات إلى حركات.

وصحيح أننا ارتكبنا أخطاء، وواجهنا انتكاسات؛ ولكن نظراً لواقع أن شركاءنا يعاملوننا كجهة جادة، فإنه يمكننا أن نكون صريحين. ويمكننا العودة إلى نقطة البداية وإلى التحسين المستمر؛ وهذه هي المساءلة الحقيقية.

وإننا نعمل الآن مع جهات مانحة وشركات لا تهتم كثيراً بوضع الشعار—بل تهتم أكثر بالإرث.

وعليه، فهذا هو مطلبي منكم:

  • لا تعطوا فقط، بل أعطوا بشكل صحيح.
  • قوموا بتمويل الأشياء "المملة"—مثل الإدارة، والرواتب، والخدمات اللوجستية—لأن هذا هو ما يُديم الأثر.
  • لا تطاردوا الأشياء الساحرة: استثمروا في النماذج.
  • لا تختفوا بعد تقديم شيكاتكم؛ بل أبقوا، وأبنوا، وتعلموا.
  • انضموا إلى الحوارات غير المريحة—ولكن فقط أينما يمكنكم جلب قيمة مضافة.
  • ثقوا بشركائكم وأدعوهم يقودون.

ومطلبي هذا ليس أساس عمل خيري، بل هو أساس حركة خيرية. وإذا أردنا سد الثغرة، وبناء المرونة، ودفع التغيير النظامي—فإننا بحاجة ماسة إلى التمويل بشكل مختلف، والتصرف بشكل مختلف، والقيادة بشكل مختلف.