مفترق طرق مناخي

تدعو هيلين ماونتفورد، الرئيسة والمديرة التنفيذية لمؤسسة كلايمتوركس، كل الممولين من القطاع الخاص إلى اتخاذ إجراءات في هذا العقد الحاسم.

Istock 1181043800

هيلين ماونتفورد هي الرئيسة والمديرة التنفيذية لمؤسسة كلايمتوركس، وهي منصة عالمية للعمل الخيري تهدف لابتكار وتوسيع نطاق الحلول المناخية عالية الأثر التي تفيد الناس والكوكب. وقبل هذا المنصب، فلقد شغلت هيلين منصب نائب رئيس المناخ والاقتصاد في معهد الموارد العالمية كما شغلت منصب نائب مدير البيئة في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD). وتحمل هيلين درجات الماجستير في كل من الاقتصاد البيئي من كلية لندن الجامعية والإدارة البيئية من جامعة ملبورن، وهذا بالإضافة لدرجة البكالوريوس في كل من الفلسفة والتاريخ.

في منتصف هذ العقد الحاسم للعمل المناخي، فإن المجتمع العالمي يواجه تجاوراً سافراً: أي على الرغم من التقدم الهادف، إلا أن التحديات المقبلة لا تزال ضخمة.

وتتصاعد آثار المناخ في الوقت الذي تظهر فيه ثغرات قيادية مهمة، وبالتالي فإن المخاطر أصبحت أعلى من أي وقت مضى.

وللمرة الثانية، تنسحب الولايات المتحدة – وهي أكبر مصدر تاريخي لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري في العالم – من اتفاقية باريس. وهذا القرار، إلى جانب تجميد التمويل الفيدرالي وتفكيك الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية إنما يؤكد ويبرز حقيقة جوهرية: ألا وهي أنه لا يمكن للتقدم المناخي الاعتماد فقط على أعمال حكومة وطنية أو على بلد واحد.

وتعد الجهود المستمرة والشاملة والتعاونية من جميع أنحاء العالم – متضمنة على المستويات الوطنية والدون وطنية والمحلية، وكذلك من القطاع الخاص والمجتمع المدني والحكومة – أمراً ضرورياً جداً لمعالجة أزمة المناخ التي تكب حياة مليارات الأشخاص رأساً على عقب وتعرض الاقتصادات في كل مكان للخطر.

وتارة أخري، في خضم كل هذه التحديات الهائلة، فإن هناك فرصة أكبر لسد الثغرات، وتوسيع نطاق الحلول الفعالة، وتعزيز مستقبل مستدام حيث يمكن للبشرية أن تزدهر فيه. وسيتطلب تحقيق ذلك تعاوناً وثقةً غير مسبوقين من كل القطاعات ومستويات المجتمع، بما في ذلك الأعمال الخيرية.

Matt Palmer Zcwdv Al0mm Unsplash

ت أصبحت حرائق الغابات شائعة بشكل متزايد في جميع أنحاء العالم، مما يدمر الأرواح وسبل العيش ويتسبب في تلوث هواء شديد. صورة: Unsplash.

الدليل على التغير السريع للمناخ موجود في كل مكان من حولنا. وقد كان عام 2024 هو أكثر الأعوام سخونة على الإطلاق، حيث تجاوز لأول مرة متوسط الاحتباس الحراري للأرض 1.5 درجة مئوية. وأدت موجات الحر القياسية والجفاف وحرائق الغابات والفيضانات إلى إجبار ملايين الأشخاص على النزوح كما أعاقت البنية التحتية وزادت من انعدام الأمن الغذائي.

وعلى الصعيد العالمي، تستمر تكلفة التقاعس عن اتخاذ قرارات العمل المناخي في الارتفاع، وهذا مع توقعات بأن تصل الأضرار إلى 38 تريليون دولار أمريكي سنوياً بحلول عام 2050. ويبقي السبب الرئيسي هو حرق الوقود الأحفوري. وفي حين كان هذا قد ساعد على دفع النمو والتنمية في الحقب الماضية، إلا أنه لم تعد هناك حاجة إليه – إذ لدينا الآن بدائل أنظف وأقل تكلفة.

ولا شك في أن استخدام الوقود الأحفوري هو المسؤول عن الآثار المناخية المدمرة التي نشهدها على مستوى العالم، بما في ذلك 4.2 مليون حالة وفاة مبكرة كل عام بسبب تلوث الهواء الخارجي. وبالرغم من هذا الثمن الهائل الذي تتكبده البشرية، إلا أن صناعات الوقود الأحفوري تستمر في تحقيق أرباح طائلة، كما تبقي مدعومة بأكثر من تريليون دولار أمريكي من الإعانات السنوية والإعفاءات الضريبية على مستوى العالم، ويبقي هذا الدعم حتى في الوقت الذي تحمي فيه أرباحها الخاصة وتنشر المعلومات المضللة لتعطيل التقدم نحو الانتقال الحتمي إلى الطاقة النظيفة.

وبينما تتراجع الولايات المتحدة عن قضايا المناخ، فإن الاقتصادات الناشئة والدول في جنوب الكرة الأرضية تنهض لملء الفراغ القيادي:

  • تعمل البرازيل، والتي تستضيف COP30، على تعزيز التعاون العالمي حول الطموح المناخي ووقف إزالة الغابات.
  • تتصدر جنوب إفريقيا ريادة الشراكات ما بين القطاعين العام والخاص لضمان انتقال عادل للعمال والمجتمعات المحلية أثناء التخلص التدريجي من الفحم وخلق وظائف خضراء.
  • تقوم الصين بتركيب كميات قياسية من الطاقة النظيفة وشراء أعداد قياسية من السيارات الكهربائية.
  • تعمل إندونيسيا على توسيع نطاق قدرتها على الطاقة المتجددة لكي تصل إلى ذروة انبعاثات قطاع الطاقة بحلول عام 2030؛ وعلى الرغم من وجود مقاومة لهذا التوسع، فقد أشار الرئيس برابوو إلى إمكانية تعجيل هدف البلد للوصول إلي الصافي الصفري للانبعاثات من عام 2060 إلى عام 2050.
  • وتقود ميا موتلي، رئيسة وزراء باربادوس، الجهود لمعالجة المديونية المزمنة لكل البلدان المتضررة بأسوأ آثار تغير المناخ.

"من خلال تضخيم النهج والأساليب الفعالة، فإنه يمكن للأعمال الخيرية أن تساهم في تحقيق أهداف المناخ العالمية، وهذا بالرغم من ردود الفعل القاسة والمتزايدة."

هنالك دول ومقاطعات ومدن حول العالم قد برزت للعمل أيضاً كمراكز حاضنة لتجربة نهج جديدة يمكن أن تعزز التنمية الاقتصادية، وتعود بالفائدة على المواطنين، وتعالج المناخ جذرياً – مما يخلق حلولاً جاهزة للتوسع على الصعيدين الوطني والدولي.

ورغم أنه من المخيب للآمال أن نرى عدد اًمن قادة الشركات يتراجعون عن تحالفات المناخ الصافي الصفري، إلا أنه يبدو أن العديد منهم يواصلون بثبات في نهجهم لتقليل المخاطر المالية المرتبطة بالمناخ ولتعظيم الفرص في الاقتصاد الأخضر الجديد – لأن هذه النهج ببساطة تتماشي مع المنطق التجاري السليم.

وللحفاظ على الزخم الراهن، فإن توسيع نطاق التمويل المناخي يعد أمراً ضرورياً. ومن المقرر أن تتلقي دول الجنوب العالمي 300 مليار دولار سنوياً بحلول عام 2035 للمساعدة في حماية شعوبها من الكوارث المناخية وتحويل اقتصاداتها إلى انبعاثات منخفضة الكربون، وهذا مع الاعتراف بأن التمويل العام والخاص الأوسع نطاقاً يحتاج أن يصل إلى 1.3 تريليون دولار سنوياً. وسيتطلب ذلك مزيداً من الاستثمارات ونهجاً تمويلية جديدة.

وحتى في ظل الميزانيات المالية الضيقة، فقد حان الوقت المناسب الآن لإعادة بناء الثقة من خلال إظهار الكيفية التي يمكن بها تحقيق هذه التدفقات المالية.

وعلى سبيل المثال، هناك ضغط متزايد من أجل آليات تمويل مبتكرة – كالضرائب المقترحة على الشحن والطيران – إلى جانب تدابير أخرى تدعمها مجموعة العمل المعنية بالرسوم التضامنية العالمية، لجمع المليارات لتمويل العمل المناخي. وفي أبريل 2025، ستنظر المنظمة البحرية الدولية في أمر اعتماد ضريبة على انبعاثات الاحتباس الحراري لمجال الشحن، وهو ما قد يكون بداية واعدة.

"السنوات الخمس المقبلة هي الأكثر حرجاً في هذا العقد الحاسم للعمل المناخي."

بغض النظر عن الخطابة السياسية، فإن الأدلة الواقعية تُظهر بأن الحلول المناخية تحقق بالفعل فوائد ملموسة للناس؛ إذ كل من النقل الكهربائي والتبريد النظيف والطاقة المتجددة فعلاً تخلق فرص عمل وتقلل من فواتير الكهرباء والغاز، وتنظف الهواء، وتحمي الصحة، وتدعم استقلال الطاقة.

وخذ ولاية تكساس كمثال: تتصدر هذه الولاية التي يقودها الجمهوريون كل الولايات الأخرى في توليد طاقة الرياح، مما أصبح يوفر ما يصل إلى 31.5 مليار دولار من تكاليف الكهرباء منذ عام 2010. وبعبارة أخرى، الطاقة النظيفة ليست أيديولوجية – بل هي اقتصادية. وبحلول عام 2024، أصبحت 96% من جميع محطات الطاقة الجديدة في الولايات المتحدة خالية من الكربون، وهذا لأنه كان الخيار الاقتصادي الصحيح.

وعلى الرغم من هذه النجاحات، فإن المدافعين عن الوقود الأحفوري يزرعون الانقسام من خلال إلقاء اللوم على مصادر الطاقة المتجددة في ارتفاع تكاليف الكهرباء – بينما في الواقع، إن ارتفاع أسعار الطاقة هو ناتج من أسواق الوقود الأحفوري المتقلبة، والتضخم، والأضرار التي لحقت بالبنية التحتية للشبكة بموجب الطقس القاسي.

ولا يؤدي إعادة توجيه دعم الوقود الأحفوري نحو دعم البنية التحتية للطاقة المتجددة إلى استقرار التكاليف وتحديث الشبكات القديمة فحسب، بل إنه أيضاً يبني المرونة وأمن الطاقة وقدرة تخفيف التكاليف على المدى الطويل.

وكل هذه الاستثمارات المستهدفة، إلى جانب الجهود المبذولة لمعالجة انتشار حملات التضليل المتعمدة، هي ضرورية لاتخاذ الخيارات الصحيحة للنمو الاقتصادي وتأمين فوائد حقيقية للأسر والمجتمعات المحلية.

"هذا ليس وقت التراجع أو التردد. إنها لحظة للشجاعة والتعاون."

تعد حلول التبريد النظيفة والفعالة أمراً بالغ الأهمية وقتما تؤثر موجات الحر بشكل متزايد على المجتمعات المحلية ما حول العالم. ويجب أن ينصب التركيز الآن على توسيع نطاق الاستراتيجيات التي أثبتت جدواها لتعظيم أثرها في المجتمعات المحلية عبر أرجاء العالم.

وفي الهند، فإن برنامج «فان هب» الخاص بشركة خدمات كفاءة الطاقة المحدودة يعمل على تحويل السوق من خلال نشر 10 ملايين مروحة سقف فائقة الكفاءة، مما يخفض التكاليف والانبعاثات ويحفز اهتمام الشركات المصنعة.

وعلى الصعيد العالمي، يمكن أن يؤدي تطوير مكيفات جديدة فائقة الكفاءة إلى خفض 68 جيجا طن من الانبعاثات بحلول عام 2050 – أي ما يعادل أكثر بقليل عن عام من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري لجميع المصادر البشرية اليوم. وتعمل المؤسسات الخيرية مع الشركات المصنعة والحكومات والشركاء الآخرين لطرح وإيصال هذه الحلول إلى الأسواق بشكل أسرع.

ويعد الارتفاع المتزايد في سيارات الركاب الكهربائية قصة نجاح أخرى. إذ تظهر أحدث البيانات أن السيارات الكهربائية شكلت بالمتوسط أكثر من ربع سيارات الركاب الجديدة المباعة في الأسواق الأربعة الرئيسية – الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والهند، والصين (وفقاً لتقرير قادم من حملة «درايف الكتريك»).

وهذا يتجاوز بكثير ما كان ينظر إليه قبل بضع سنوات فقط على أنه هدف طموح للوصول إلى 15% بحلول عام 2026. وبدعم من الأعمال الخيرية، فإن شراكة «ليبفروجينج» التابعة لحملة «درايف الكتريك» تساعد الآن في جلب فوائد أسواق السيارات الكهربائية إلى دول أخرى. وفي رواندا وكينيا، على سبيل المثال، ساهمت أكثر من 200 دراجة نارية كهربائية في تقليل الانبعاثات وزيادة دخل السائقين بنسبة 41%.

وبالشراكة مع مجموعة متنوعة من أصحاب المصلحة، فإن الأعمال الخيرية كانت محورية في توسيع نطاق العديد من الحلول المناخية التحويلية؛ وتم هذا بالاستفادة من رأس المال الصبور والمستحمل للمخاطر لأجل تسريع الابتكار، وإطلاق العنان لاستثمارات القطاع الخاص، وتعزيز التعاون.

ومع وصول تمويل المؤسسات للمشاريع التي تخفف من حدة آثار المناخ إلى 4.8 مليار دولار في عام 2023 – أي ما تضاعف نحو ثلاث مرات تقريباً منذ عام 2019، فإن الأعمال الخيرية تقود تقدماً طويل الأجل. ومن خلال تضخيم النهج والأساليب الفعالة، فإنه يمكن للأعمال الخيرية أن تساهم في تحقيق أهداف المناخ العالمية، وهذا بالرغم من ردود الفعل القاسة والمتزايدة.

DEC In Kenya

من أجل تطوير شراكة Drive Electric Leapfrogging، التقى أعضاء فريق النقل الطرقي مع الشركاء المنفذين، بما في ذلك WRI Africa في نيروبي، كينيا، حيث تتسارع وتيرة التنقل الكهربائي – مما يزيد من الدخل الصافي لسائقي الدراجات النارية الأجرة، مثل أولئك في Ampersand الظاهرين في الصورة.
الصورة: جيمس واتشيرا لصالح Drive Electric.

تضخيم تأثير العمل الخيري في عقد حاسم

السنوات الخمس المقبلة هي الأكثر حرجاً في هذا العقد الحاسم للعمل المناخي. وبينما تنسحب دولة واحدة من اتفاقية باريس، فإنه تظل 194 دولة ثابتة في التزامها، مما يدل على مرونة العمل التعاوني العالمي، وعلى الاعتراف بأن التصدي لأزمة المناخ هو المسار الوحيد للنمو المستدام نحو الأمام.

وفي هذه اللحظة، يجب على الأعمال الخيرية أن ترتقي لتحفيز الثقة، وللحفاظ على زخم الطموح، وللعمل مع مجموعة واسعة من الشركاء لدفع التقدم التحويلي ومحاربة الرياح المعاكسة القوية لعام 2025. وهذا يعني الآتي:

  • العمل بشكل تعاوني: يمكن للأعمال الخيرية المشاركة في منصات العطاء التعاوني التي تسمح للممولين بتضخيم المبادرات الحالية وتسريع الحلول الموجودة بالفعل؛ إذ معاً يمكننا تعظيم تأثيرنا.
  • دعم الحاصلون على منح من تحقيق النجاح: يجب على الأعمال الخيرية أن تستثمر بعمق في تطوير الحاصلون على منح، وتقديم دعم أساسي ومرن ومتعدد السنوات، ولا سيما في البلدان ذات الدخل المنخفض إلى المتوسط. وفي بيئة التشغيل الحالية والمتغيرة بوتيرة سريعة، فإن إحدى الأولويات الخاصة ستكون هي تعزيز قدرة جميع المستفيدين من المنح على إدارة المخاطر القانونية والأمنية. وهذه ليست سباقاً سريعاً نحو خط النهاية، لأن هؤلاء الشركاء الحاصلون على منح يقومون بعمل يحتاج إلى الاستمرارية على المدى الطويل.
  • التفكير على نطاق أوسع من مجرد المناخ: أخيراً، يجب على الأعمال الخيرية أن تتبنى حلولاً متكاملة عند تقاطع المناخ مع تلبية الأهداف الاجتماعية الأخرى، مثل الصحة العامة، والتنمية الاقتصادية، وحقوق الإنسان، ومرونة النظام البيئي. ويمكن للعمل معاً – والذي يحدث توافق حول الأهداف المشتركة – أن يؤدي إلى مضاعفة أثر الأموال الخيرية، وأن يبني تحالفات أوسع عبر الأحزاب السياسية لدعم التغيير.

وهذا ليس وقت التراجع أو التردد. إنها لحظة للشجاعة والتعاون. ومعاً، يمكننا تشكيل مستقبل مستدام ومنصف – مستقبل مبني على الثقة والابتكار والهدف المشترك.

** تم إنتاج هذا المقال بواسطة مؤسسة كلايمتوركس، كما أعيد إنتاجه وترجمته إلى اللغة العربية هاهنا بإذن منهم. ويمكنكم قراءة النسخة الأصلية هنا.