بناء مستقبلنا من خلال إعادة النظر في تاريخنا

لقد كان الكرم هو حجر الزاوية في الحياة الثقافية والروحية بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا منذ زمن سحيق. ولقد قاد إرث العطاء الصائب بالمنطقة العالم عبر لحظات مشهودة مثل تأسيس أول وقف في العالم من قبل فاطمة الفهرية، والتي أوقفت جامعة القرويين في القرن التاسع بمدينة فاس، المغرب.

وتوفر تقاليد العطاء هذه أساساً قوياً للعمل الخيري الحديث، حيث تعمل كمصدر للفخر ومنصة انطلاق للابتكار بينما تبني الأجيال القادمة وتبتكر على هذه القيم.

واليوم، هناك اهتمام متجدد بممارسات العطاء طويلة الأمد مثل الوقف—وهي هبات خيرية تم إنشاؤها لتمويل الخدمات المجتمعية على مر الأجيال. ويتم إحياء وتنشيط هذه الجهود كأدوات للتنمية المستدامة، حيث توفر طرقاً لدعم التعليم والرعاية الصحية ورفاه المجتمع المحلي.

وفي نفس الآونة، ينشأ شباب المنطقة في عالم رقمي، حيثما الأفكار الجديدة والتأثيرات العالمية تشكل كيفية تفاعلهم مع التقاليد أو حتى إذا ما كانوا يتعرفون عليها. وبوجود 140 مليون شاب تتراوح أعمارهم ما بين 10 و24 عاماً في جميع أنحاء المنطقة، فإن هذه التركيبة السكانية لديها إمكانات هائلة لإعادة تصور العطاء مع البقاء على اتصال بالقيم التي صاغت مجتمعاتهم. ونعتقد أنه من الضروري أن يتعرف الشباب على تقاليدهم الثقافية الغنية في العطاء، وأن يفكروا في كيفية تبني هذه الممارسات وتطويرها في حياتهم الخاصة. وبصفتهم قادة المستقبل، فإنهم سوف يكونوا مسؤولين عن رعاية هذه القيم والإشراف عليها. ومن دون محادثات متعمدة وتجارب ذات مغزى تشجعهم على التأمل في أهمية الكرم والمجتمع المحلي، فإننا نخاطر بفقدان تقاليد ذات جذور عميقة، والتي حافظت على المجتمعات وعززتها لآلاف السنين.

وتتطلع جيفينغ تيوزداي إلى ربط هذا الإرث من العطاء بالنهج المعاصر. وأجرت جيفينغ تيوزداي بلبنان مسابقة تحت عنوان "صور الكرم"، حيث تم تشجيع الناس على مشاطرة صور حول كيفية عطائهم والقضايا التي يدعمونها، وأطلقت حملة بالتزامن مع ماراثون بيروت، حيث شارك العداؤون في الماراثون خصيصاً لرفع الوعي لصالح ثماني منظمات غير حكومية مؤثرة. ويدير صالح سيربيس، وهو مصور سوري وأحد قادات جيفينغ تيوزداي، مبادرة فوتوهان دارك روم، وهي مبادرة رائدة تعمل على تمكين الأطفال المتضررين بالحروب والنزوح منن خلال فن التصوير الفوتوغرافي. وعبر عمل هؤلاء القادة في جيفينغ تيوزداي، فإننا نرى كيف يمكن الارتقاء بالقيم الخالدة من خلال المنصات الحديثة.

وفي مدينة صنعاء باليمن، فإن أحد قادات جيفينغ تيوزداي، ياسر السلوى، وهو ناشط في كل من النقابة العمالية والمجتمع المدني، قد أظهر القوة التحويلية للعمل الجماعي، حيث جمع عشرات الآلاف من الدولارات للمدارس المحلية من خلال إلهام مساهمات صغيرة وواسعة النطاق في جيفينغ تيوزداي 2023. وتذكرنا مثل هذه القصص بأن الكرم يتخذ أشكالاً عديدة وأن تأثيره الجماعي يمكن أن يرفع مجتمعات بأكملها.

وفي هذه اللحظة المحورية في التاريخ، فإن الحاجة للكرم أكبر من أي وقت مضى. ولقد خلقت حالة عدم اليقين الاقتصادي، والأزمات، والنزاعات، والكوارث الراهنة تحديات هائلة في جميع أنحاء المنطقة. ومع ذلك، هناك أيضاً فرصة استثنائية وأمل.

ومن خلال تمكين الشباب بالانخراط في تقاليد العطاء مثل الزكاة والصدقة والوقف، فإنه يمكننا مساعدتهم على تكييف هذه الممارسات لمواجهة وتلبية تحديات اليوم مع احترام وتكريم تقاليدهم.

وسوياً، فإنه يمكننا تعزيز ثقافة كرم قادرة على تجاوز الحدود، وقادرة على دمج حكمة الماضي مع ابتكارات المستقبل.

ولقد حان الوقت الآن للاحتفال بإرث العطاء المعتز لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وذلك أثناء بناء الجسور نحو المستقبل. ومن خلال الاشراك المتعمد للشباب، وتعزيز العمل الجماعي عبر مبادرات مثل في جيفينغ تيوزداي، واحتضان التقاليد الخالدة، فإنه يمكننا ضمان أن يستمر الكرم في إلهام وتحويل الحياة للأجيال القادمة.