مسيرة نحو شوارع آمنة
حول حكمت قدورة مأساة شخصية إلى مهمة للحد من وفيات حوادث السير في الأردن بإطلاقه مبادرة للسلامة المرورية
حول حكمت قدورة مأساة شخصية إلى مهمة للحد من وفيات حوادث السير في الأردن بإطلاقه مبادرة للسلامة المرورية
في كانون الثاني من العام 2008 فقد ماهر قدورة ابنه ابن السبعة عشر ربيعاً في حادث دهس وهروب مفجع في الأردن. وقد تظافرت في تلك الفترة عدة عوامل، من سلوكيات قيادة سيئة وطرقات تفتقر إلى الصيانة، لترفع معدل الوفيات الناجمة عن حوادث السير في الأردن إلى ما يقارب الـ 1,000 حالة. لكن الصدمة التي عانى منها سنويا قدورة جعلته بالنهاية يفكر في سبل معالجة أسباب الحوادث القاتلة.
كان حكمت قدورة يمشى في أحد شوارع العاصمة عمان عندما صدمته سيارة مما تسبب في وفاته وتمكن السائق من الهروب من دون محاسبة. في الأسابيع والأشهر التي تلت تلك الفاجعة حوّل والده، المستشار في إدارة الأعمال ماهر قدورة، حزنه إلى عزم على المساهمة في معالجة أسباب حوادث السير في الأردن والتقليل من ضحاياها.
وتبين لقدورة أن حادث ولده كان أمراً يتكرر بوتيرة عالية. فخلال الفترة الزمنية المقاربة لتاريخ الحادث شهدت حوادث السير في الأردن تصاعداً كبيراً في معدلات الوفيات والجرحى. وفي العام 2007 وحده فقدت ما يقرب من 1,000 أسرة فرداً من أحبائها نتيجة حادث سير مميت - ما يمثل نسبة وفيات أعلى بكثير مما هي عليه في باقي دول المنطقة (راجع الجدول أدناه).
وبلغ عدد الجرحى من الحوادث في ذلك العام نحو 18,000 إصابة، وهي من أعلى المعدلات في المنطقة. وكانت النسبة الأعلى للوفيات ضمن الشباب من الفئة العمرية بين 21 و 30 سنة، وهذا يتماشى مع النمط العالمي لضحايا حوادث السير.
ولاحظ قدورة أن القطاعين العام والخاص لم يعطيا موضوع السلامة المرورية الأولوية الكافية، مقارنة بقضايا وطنية ملحة أخرى، لمعالجة هذه المسألة. ويتذكر قدورة قوله آنذاك: "السلامة المرورية في المملكة ليست أولوية مثل مسألة خلق فرص العمل أو الرعاية الصحية أو قضايا أخرى. فهذه المسألة لا تحظى بمكانة عالية في الأجندة الوطنية".
توصل قدورة إلى قرار بأنه لكي يساهم في خفض عدد الحوادث المرورية بشكل ملحوظ، ويساعد على تجنيب الآخرين مصيراً مثل مصير ولده، لا بد له أن يستثمر في استراتيجية طموحة تكون أهدافها طويلة الأمد وعلى مستوى كل الوطن.
قبل أن يفقد ولده بسبعة أعوام كان ماهر قدورة قد أسس منظمة غير ربحية اسمها الجود للرعاية العلمية، وهي تساعد الشباب على تحقيق الاكتفاء المالي الذاتي. وكانت الجود أول تجربة لقدورة يستخدم فيها خبرة عمله في القطاع الخاص، وشبكة علاقاته وموارده الخاصة للمساهمة في معالجة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي يعاني منها الشباب في الأردن.
ويوضح قدورة بقوله: "تدور غالبية أعمالنا حول مشاريع مميزة وجريئة ومعطلة للمفاهيم التقليدية في تنظيم الأعمال. ليس هناك شيء تقليدي فيما نفعله، ونحن نطبق نظريات إدارة الأعمال في مشاريعنا، كما نرغب دائماً بالشراكة مع الآخرين."
وبعد مضي فترة قصيرة على وفاة حكمت أطلق ماهر قدورة مبادرة "حكمت للسلامة المرورية" تحت مظلة منظمة الجود، وأوكلها مهمة خفض معدلات الوفيات والإصابات جراء حوادث المرور في الأردن، خاصة بين فئات الأطفال والشباب.
واستثمر قدورة بشكل كثيف، سواء بماله أو وقته أو خبرته لدعم هذه المبادرة. وبلغ حجم استثماراته فيها لغاية اليوم نحو 1.4 مليون دولار أميركي. وبعد أن برهن على نجاح مبادرته باستخدام حلول عملية وبسيطة وسهلة التطبيق في المساهمة برفع مستوى السلامة على الطرق، تحمس أفراد آخرون وبعض الشركات للمبادرة وساهموا فيها بمبلغ إجمالي إضافي بلغ 1.7 مليون دولار أميركي. ويوظف قدورة خبرته في الاستشارات الإدارية لتوجيه مسار المبادرة استراتيجياً وتشغيلياً، كما يستخدم علاقاته مع القطاع الخاص والدوائر الحكومية للدفع بالمبادرة وتوسيع أثرها.
منذ بدايتها كانت مبادرة "حكمت للسلامة المرورية" خطوة جريئة ومميزة، فقد التزمت بقضية كان الآخرون آنذاك قد رأوها أقل إلحاحاً من قضايا وطنية أخرى أحق بالدعم. وعندما أطلق قدورة مبادرته في العام 2008 كانت من أوائل المبادرات الساعية لجعل الطرقات أكثر أماناً على مستوى المملكة ككل، وتمثل هدفها في خفض أعداد ضحايا حوادث السير بين قتلى وجرحى بنسبة ملحوظة في كل أنحاء الأردن من خلال معالجة الأسباب الجذرية لتلك الحوادث.
ولتحقيق هذا الهدف، استخدمت المبادرة عدة مقاربات، كان أحدها يدعى "أنشطة الخدمات المباشرة"، والتي تسعى لتحقيق أثر مباشر من خلال تصميم برامج تهتم بالفئات الأكثر عرضة للمخاطر. وكما يقول قدورة: "نعتبر عملنا هذا بمثابة برنامج وطني، غير أننا نركز على المواقع التي ننزف منها وحيث الحاجة أكثر إلحاحاً لحلولنا. كما نحاول الحصول على العوائد ’الأكثر خيراً‘ على استثماراتنا."
ويستخدم فريق عمل المبادرة الإحصاءات المتوفرة لدى إدارة السير المركزية حول حوادث السير وبيانات أخرى لتحديد أخطر مواقع الحوادث والفئات الأكثر عرضة لها في الأردن، مثل المدارس وفئة الشباب من البالغين. فركزت المبادرة في البداية على أخطر المواقع التي تضم المدارس لخفض الحوادث التي تقع في محيطها. ونفذ فريق المبادرة تعديلات في البنية التحتية الخاصة بالسلامة المرورية في هذه المناطق المزدحمة، مثل مطبات السرعة ولافتات السلامة المرورية.
وتشمل مهام المبادرة أيضاً نشر التوعية العامة حول حوادث المرور والوقاية منها بهدف تغيير سلوكيات كل من سائقي المركبات والمشاة على الطريق. ولم تلق في السابق حوادث المرور اهتماماً كافياً من قبل أجهزة الإعلام التي نادراً ما غطت هذه الحوادث، ما ترك معظم الناس غائبين عن حقيقة المشهد المروري وما يخلفه من ضحايا على مدار السنة. ودفعت مبادرة حكمت للسلامة المرورية بهذه القضية إلى الصدارة، فركزت على الأعداد الكبيرة للقتلى والجرحى في الأردن من جراء الحوادث، وكيفية رفع مستوى السلامة على الطرقات لتساهم في وضع حد لظاهرة القيادة المتهورة.
وتشمل دعائم المبادرة أيضاً الدعوة لتأييد قضيتها على مستوى المملكة من خلال حث مختلف أصحاب المصلحة على المشاركة. فعملت على استقطاب اهتمام الدوائر الحكومية، ونوادي السيارات، والفاعلين في القطاع الخاص، وغيرهم، للدفع بالتغيير على مستوى المملكة. ثم تعاونت بشكل وثيق مع أصحاب المصلحة هؤلاء لاتخاذ الخطوات اللازمة وجعل التغيير مستداماً في نظام السلامة المرورية بأكمله.
وبعد انقضاء أقل من عقد من الزمن على إطلاق عملياتها، ساهمت جهود المبادرة في تحقيق تراجع في معدل الوفيات الناجمة عن حوادث المرور في الأردن بنسبة 50 بالمئة.
بعد استكمال دراستها لتحديد المواقع الًأكثر خطورة على طرقات الأردن والفئات الأكثر عرضة للحوادث، تبدأ مبادرة "حكمت للسلامة المرورية" باتخاذ الخطوات اللازمة. وقد تمكنت المبادرة من خلال دراسة وتحليل البيانات المرورية على مدى العشر سنوات الماضية، من تحديد الثغرات البارزة التالية:
وقد أطلقت المبادرة عدة برامج رئيسية تستهدف ردم هذه الثغرات من خلال العمل مع مختلف فئات أصحاب المصلحة والمعنيين، كما يلي
1. تحسين السلامة في المدارس. عندما أطلقت مبادرة "حكمت للسلامة المرورية" كان معدل الحوادث المرورية قد بلغ قرابة 3,800 حادث في السنة في المناطق المدرسية والتي بلغ عددها 5,000 منطقة في أنحاء المملكة. لكن الإحصاءات كشفت عن أن ما نسبته 62 بالمئة من مجمل هذه الحوادث كان يقع في 265 منطقة مدرسية فقط.
كانت هذه المدارس تعاني من مجموعة من المشاكل. فلم يكن هناك من سياج أو حاجز على جانب الطريق لحماية الأطفال من المركبات المتجهة نحوهم، كما لم تتوفر مطبات على الشارع أو إشارات مرور تنبه السائقين لضرورة تخفيف سرعتهم. فركزت المبادرة على توفير هذه العناصر المفقودة واستثمرت في البنية التحتية، كما أرفقت هذه الجهود بحملة توعية نظمتها في المدارس حول قواعد السلامة على الطرقات. ويوضح مدير مبادرة "حكمت للسلامة المرورية"، عرفات أبو خليل، قائلاً: "باشرنا في التحسينات في أخطر 100 منطقة مدرسية وفق بيانات إدارة السير المركزية".
وبعد أن اكتملت شروط السلامة هناك، تم توسيع العمل ليشمل ما تبقى من المناطق المدرسية الـ 265 الأكثر عرضة لوقوع الحوادث. لكن صدى هذه المبادرة امتد أبعد من ذلك، إذ تعاون فريق عمل المبادرة مع مبادرات أخرى تسعى إلى تحسين البنية التحتية في مناطق مدرسية أخرى في المملكة، قدم خلالها الفريق التوجيه اللازم والتوعية. فعلى سبيل المثال، قدمت مبادرة حكمت أفكاراً لبعض التحسينات التي من شأنها تحقيق شروط السلامة على المدى الطويل، مثل الحواجز على جانب الطريق.
2. تحسين السلامة في ملاعب الأطفال. بعد أن أحرزت المبادرة تقدماً ملحوظاً في السلامة المرورية ضمن المناطق المدرسية الأكثر خطورة، تم توجيه الجهود إلى نطاق بارز آخر في نسبة الحوادث؛ وهو الأحياء السكنية، حيث يلجأ الأطفال للعب في الشوارع بسبب عدم توفر فسحة مناسبة للعب في حيهم. فسعى فريق عمل المبادرة إلى مساعدة هؤلاء الأطفال على تغيير سلوكهم وحثهم على اللعب في أماكن آمنة، بعد أن أقام تحسينات في 100 ملعب للأطفال وأضاف مرمى لكرة القدم فيها. ويعلق قدورة قائلاً: "كنت أتابع أخبار الإصابات المرورية لكي أعثر على ملاعب أخرى يمكننا إصلاحها".
وساهمت التحسينات التي تم إنجازها على المئة ملعب تلك باجتذاب العديد من المانحين الأفراد والشركات الذين مكنت تبرعاتهم المبادرة من إجراء التحسينات على ما بلغ مجموعه 1,200 ملعب. كما استطاعت المبادرة من خلال الاستعانة بالموارد العامة تحسين الملاعب، مثل استخدام شاحنات الشرطة لنقل مستلزمات البنية التحتية.
3. حملات توعية حول السلامة موجهة للأطفال والشباب. بعد الانتهاء من جعل مناطق المدارس وملاعب الأطفال أكثر سلامة وأماناً، وجه فريق العمل أنظاره إلى رفع مستوى الوعي حول السلامة المرورية، مستهدفاً الفئات الأكثر عرضة لحوادث المرور، وهي طلاب المدارس والشباب من البالغين.
لكن على الرغم من التقدم الذي أحرزته المبادرة، بقيت فئة الشباب بين عمر 18 و35 عاماً تشكل 44 بالمئة من ضحايا السير. فأطلقت المبادرة الحملات لهذا الغرض، وهي لم تكتف باستهداف الشباب، بل جندتهم أيضاً كمتطوعين يساهمون في التوعية. وشملت أنشطة الحملات المتنوعة ما يلي:
وتعلق مريم العزة، مديرة مركز التميز للسلامة المرورية، على أعمال المبادرة، قائلة: "كانت الإحصاءات حول حوادث السير تدعو إلى القلق. والأعمال التي يقوم بها فريق حكمت للسلامة المرورية هي جهود ممتازة، خاصة فيما يتعلق ببرنامجهم الهادف إلى رفع مستوى الوعي لدى الأطفال والشباب بالسلامة المرورية، والذي حقق بالفعل نتائج جيدة".
4. التعليم والتدريب. وقعت مبادرة "حكمت للسلامة المرورية" اتفاقية تعاون مع الجامعة الألمانية الأردنية لتأسيس "مركز التميز للسلامة المرورية". والهدف هو توفير التدريب وورش العمل وجلسات التوعية حول السلامة المرورية لمختلف أصحاب المصلحة. وتشمل المواضيع، على سبيل المثال، أن يتعلم المهندسون أساليبَ جديدة لجعل المركبات أكثر أماناً وسلامة، أو يتلقى السائقون تعليمات حول الصيانة السليمة للمركبات وممارسات القيادة الجيدة. ويعمل المركز حالياً مع وزارة المواصلات الأردنية وجهات حكومية معنية أخرى لتحديد الثغرات في قوانين المرور وإنفاذ القوانين بشكل أكثر فعالية. كما يعمل المركز على إدماج مفاهيم السلامة المرورية في المناهج الدراسية.
بالإضافة إلى البرامج أعلاه، تتعاون المبادرة مع مختلف الجهات ضمن الأنشطة ذات الصلة. فمثلاً، تساعد إدارة السير المركزية في أية تحسينات كبيرة في البنية التحتية، فضلاً عن المساعدة في جمع البيانات والرصد، خاصة فيما يتعلق بالتغييرات التي تطرأ على قائمة المواقع الأكثر خطورة على السلامة المرورية في الأردن. كما تتعاون المبادرة مع نادي السيارات الملكي الأردني لتوفير التدريب في القيادة السليمة، وفي تنفيذ حملات السلامة المرورية.
لا شك أن أبرز وأهم إنجازات "حكمت للسلامة المرورية" هو أن المبادرة تساهم حقاً في إنقاذ الأرواح. وكما تم ذكره أعلاه، فمنذ أن انطلقت المبادرة ولغاية العام 2016 شهد الأردن تراجعاً في معدل الوفيات الناجمة عن الحوادث المرورية بنسبة 50 بالمئة. ولو أن مجموعة عوامل مساندة أخرى قد ساهمت في خفض أعداد الإصابات، مثل دعم الجهات الحكومية، ليس هناك من شك في أن "حكمت للسلامة المرورية" قد أدت دوراً مهماً في إحداث التغيير. كما بدأ يتضح أن الجمهور يتجاوب مع الحملات، وأن جهود ماهر قدورة باتت معروفة وتحظى بالتقدير.
الحلول الموجهة. يبدو أن أسلوب عمل المبادرة في تحديد أخطر 265 منطقة مدرسية من جهة عدد حوادث المرور، والتعامل مع هذه المواقع، كان فعالاً. ويقول قدورة: "منذ أن صححنا الوضع في المناطق المدرسية الأكثر عرضة للحوادث الخطرة انخفضت وتيرة وحدّة الحوادث الإجمالية بشكل كبير. وهذا دليل على أن المناطق المدرسية الأخرى هي بالفعل أقل عرضة للحوادث الخطرة [مقارنة بالـ 265 منطقة التي استهدفناها]". كما يبدو أن جهود المبادرة لرفع مستوى السلامة المرورية في أخطر مواقع مدرسية تؤتي ثماراً طويلة الأمد. إذ أنه بعد انقضاء ما يقارب عقداً من الزمن على إكمال المبادرة أعمالها في ثلاثة مواقع مدرسية كشفت البيانات المرورية المتعلقة بها أن أي منها لم يشهد أي حادث مرور يذكر بعد التحسينات، حسب ما يفيد به أبو خليل.
نماذج عمل ذات جدوى مالية. تشكل التدخلات التي تقوم بها المبادرة ما يشبه المخطط لنماذج عمل فعالة ومجدية من ناحية التكلفة يمكن للجهات الحكومية أو الفاعلين الآخرين توسيع نطاقها. من الأمثلة على هذا، كانت تكلفة تجهيز وتحسين أول مئة ملعب للأطفال تعادل 500 دولار أميركي للملعب الواحد؛ وبعد نجاح هذا العمل في تحقيق هدفه تمكن فريق عمل المبادرة من التفرغ لإعادة النظر في تصاميم الإنشاءات وإجراء تعديلات عليها أدت إلى خفض في كمية المواد المستخدمة، وفي عمليتي التصنيع والنقل، كان حصيلتها تحقيق وفورات بقيمة 200 دولار أميركي في كلفة تحسين كل ملعب إضافي واحد. كما ساعد هذا العمل المبادرة على الحصول على التمويل المطلوب لتحسين بقية الملاعب برعاية الشركات والمانحين الأفراد.
جذب مشاركة المجتمع المحلي.
بغض النظر عن النتائج المحققة بالأرقام، لاحظ فريق عمل المبادرة تغيراً واضحاً من جهة تفاعل المجتمع المحلي مع موضوع السلامة المرورية ومشاركته في أنشطة المبادرة. ويوضح أبو خليل بقوله: "نعتبره ضمن نجاحاتنا أن يبدي المجتمع المحلي اهتماماً بالموضوع." ويضيف قائلاً بأن العشرات من الشباب الذين لم يبدوا في الماضي أي اهتمام بالسلامة المرورية انضموا اليوم إلى المبادرة بصفة متطوعين في تنفيذ البرامج. وهناك أيضاً غيرهم ممن يشاركون آراءهم على مواقع التواصل الاجتماعي والأكثر من ذلك، هو أن مجموعات من الشباب باتت تباشر بمشاريعها في مجال السلامة المرورية، وهم يتصلون بالمبادرة للمشاركة فيها والتعلم منها.
لم يكن مسار قصة نجاح مبادرة "حكمت للسلامة المرورية" سالكاً بسهولة على الدوام. فقد توجب على قدورة وفريقه أن يتعلموا من التحديات ويتأقلموا مع الظروف المتغيرة. وكانت المحاولات المبكرة للدفع بقضية السلامة المرورية إلى صدارة القضايا الوطنية، والتي ركزت على المعدلات العالية لضحايا المرور، قد قصرت عن تحقيق هدفها بكسب الرأي العام والحث على تغيير السلوكيات. وقد عمدت المبادرة إثر ذلك إلى تعديل أسلوبها في التواصل واتخذت منحىً أكثر إيجابية من جهة تركيزها على الصورة الحسنة التي أحدثتها أعمالها في المدارس وتوفيرها لمستوى عالٍ من السلامة للأطفال - ما ساعدها على كسب المصداقية والدعم على المستوى الشعبي.
ويقول قدورة: "حصلت على مزيد من الدعم عندما عرضت أحد حلولنا على أرض الواقع. اتخذنا مدرسة واحدة كنموذج، وعرضنا بالصور الوضع ما قبل وما بعد إجراء التحسينات."
وبعد نشره لهذا التقرير المصور على جمهور أكبر بدأت مبادرته تكتسب سمعة أوسع ومصداقية أكبر، ما جعلها تحدث أثراً أعمق من السابق.
وعلى الرغم من هذه النجاحات، لاقت المبادرة بعض التحديات الكبيرة. ففي أعقاب انتفاضة "الربيع العربي" تراجع اهتمام الحكومة والمانحين الآخرين في السلامة المرورية بعد أن أعادوا تقييم أولوياتهم لشؤون أكثر الحاحاً، مثل التعليم وخلق فرص عمل جديدة.
لكن مؤخراً عاد الوضع للتحسن مرة أخرى، وبدأت الحكومة بتطوير استراتيجية وطنية لرفع مستوى السلامة المرورية بمساهمة من "مركز التميز للسلامة المرورية". استخلص فريق عمل المبادرة العبر من هذه التغييرات في البيئة التنظيمية، وأدرك أهمية أن يكون الفريق مرناً وقادراً على التأقلم وتطويع نهجه وبرامجه لتنسجم مع سياق الظروف.
من ناحية أخرى، يدرك فريق عمل المبادرة تماماً أنه حتى مع توفر الدعم الحكومي، فمن المستبعد إحراز تقدم كبير في السلامة المرورية إذا لم يتم إنفاذ قوانين المرور بشكل حازم. ويؤكد قدورة بقوله: "إنني مقتنع تماماً بأن إنفاذ القانون هو عامل رئيسي في بناء السلوكيات السليمة على الطريق، هذا فضلاً عن الأمور الداعمة مثل أنشطة التوعية، وتحسينات البنية التحتية مثل لافتات الطرق".
وتعطي مريم العزة، المدير العام لمركز التميز للسلامة المرورية، مثالاً على ذلك، فتقول: "لدينا قاعدة مرورية تقتضي بضرورة عبور المشاة الشارع من التقاطع الخاص بهم، لكن لا تتم معاقبة المخالفين لهذه القاعدة، ونتيجة لذلك يبقى الوضع في الشوارع غير منظم".
لكن من ناحية أخرى فإن تحسين عملية تطبيق وإنفاذ القانون بحد ذاتها ليست بالمسألة السهلة، وهي تتطلب التنسيق القوي بين عدة دوائر حكومية سعياً لتطوير إجراءات الإنفاذ.
بالنسبة للمستقبل القريب، تنظر مبادرة "حكمت للسلامة المرورية" في الأساليب المتاحة للنفاذ إلى الأطفال والشباب، مثل حملات التوعية والسلامة. وعلى سبيل المثال، وضعت المبادرة في العام 2017 خطة لتدريب 2,000 سائق شاب على أساليب تجنب اصطدام السيارات على الطرق، بالإضافة إلى تدريب 5,000 طفل على النهج السليم لعبور الشارع. كما ينظر فريق عمل المبادرة في وسائل جديدة للتفاعل مع الشباب، مثل تنظيم مسابقات لحث المدارس على دمج مبادرات السلامة المرورية في مناهجها.
وكما يقول أبو خليل: "سوف يتم توصيف بعض المدارس بالرائدة إذا نظمت أنشطة أكثر في هذا المجال." ويدرس فريق المبادرة أيضاً إمكانية إطلاق تطبيق على الإنترنت يوفر ألعاباً حول السلامة على الطريق لتوعية السائقين والمشاة.
شارك جمهورك المستهدف، خاصة الشباب، في عمليتي تصميم وتنفيذ البرامج
حرص فريق عمل المبادرة على أن تترك الحلول التي يقدمونها أثراً دائماً في الجمهور المستهدف. وبهدف توعية الشباب والحفاظ على مشاركتهم، على سبيل المثال، عمل الفريق على تصميم أنشطة تفاعلية في حرم الجامعات، مثل لقاءات الدردشة والأنشطة المسرحية. والأهم من ذلك أن المبادرة ضمت في صفوفها متطوعين من الشباب ليفتحوا قنوات التواصل مع مواطنيهم من ذات الجيل ويكونوا بمثابة قدوة لهم في السلوك الحسن فيما يتعلق بالسلامة المرورية.
ويعلق هنا قدورة بقوله: "هم الضحايا في هذه المشكلة لكنهم غير منخرطين في الحل. أردت أن يقودوا بأنفسهم هذه المبادرة، ويشعروا أنها ملكهم". ومن شأن هذا النهج الذي اتبعته المبادرة أن يستقطب مشاركة الشباب ويشعرهم بقيمتهم وبأنهم حقاً جزءٌ من التغيير والحل.
حدد أهدافاً طويلة الأمد، واجمع البيانات لتتبع تقدم العمل، واجر التعديلات اللازمة على البرامج لتلبية الاحتياجات المتغيرة
وضع قدورة أهدافاً طويلة الأجل لمبادرة "حكمت للسلامة المرورية" ووجّه أعضاء فريقه للتعلم المستمر والتأقلم. وهو يؤمن بأهمية البحوث والإحصاءات في تحديد الثغرات في منظومة السلامة المرورية، وتتبع تقدم العمل، وتوجيه الاستثمارات. وعلى سبيل المثال، استخدمت المبادرة عند انطلاقتها إحصاءات دقيقة لكي تركز نفقاتها على أخطر النطاقات المدرسية.
وعلى مدى السنين كان للدراسات والبيانات دور مهم في توجيه الأنشطة من التركيز على تحسين شروط السلامة في المناطق المدرسية إلى تشييد ملاعب الأطفال، وبالنتيجة إطلاق حملات التوعية وتثقيف الشباب. ويقول قدورة: "نحن لا نمثل برنامجاً لسنة واحدة، بل مبادرة يتم تنفيذها على مدى عشرة أو خمسة عشر عاماً." ويتابع قائلاً: "المطلوب هو أن نتسم بالمرونة وخفة الحركة. فالعديد من الأشخاص في منطقتنا من العالم يتصفون بالرؤية الضيقة، بينما نعتمد نحن دائماً على البيانات والبحوث لنجري التعديلات اللازمة على أولوياتنا ونهجنا خلال رحلتنا."
استمر في جهود كسب التأييد، وشارك مختلف شرائح المعنيين في مساعيك لتحقيق الأثر على مستوى المنظومة بأكملها
تعاونت مبادرة "حكمت للسلامة المرورية" في عملها مع العديد من أصحاب المصلحة في منظومة السلامة المرورية، كان من ضمنهم:
ومن خلال تعاونها مع مختلف هذه الجهات، تستفيد مبادرة "حكمت للسلامة المرورية" من الخبرات والقدرات والموارد التي تنفرد بها كل جهة على حدة. وعلى سبيل المثال، يقترح الطاقم الإداري في المدارس أنواع تحسينات السلامة في محيط مدارسهم؛ بينما تضع إدارة السير المركزية طاقمها المدرب للترويج للسلامة المرورية؛ أما الجامعات فهي منصة قيّمة لعقد لقاءات مع الشباب، وتوفر الحكومات المحلية النفاذ للملاعب داخل المدارس بعد انتهاء الدوام لاستخدامها كملاعب لأطفال الحي.
وتعمل المبادرة أيضاً على بناء شبكة تتعاون من خلالها جميع الأطراف، يمكنها الدفع بالتغيير الإيجابي الدائم.
تم نشر هذا المحتوى لأول مرة عام 2020 من قبل ’مشروع انسبايرد‘، وهو عبارة عن مجموعة من مقابلات الفيديو ودراسات الحالة المستمدة من لقاءات مع رواد عطاء متميزين ومؤسسات خيرية رائدة في العالم العربي. وقد حصل ’مشروع انسبايرد‘ على الدعم من مؤسسة عبدالله الغرير للتعليم ومؤسسة بيل وميليندا غيتس، وتم إنتاجه مع شركاء المعرفة: ’مجموعة بريدج سبان‘ و’زمن العطاء‘.
It's a good idea to use a strong password that you're not using elsewhere.
Remember password? Login here
Our content is free but you need to subscribe to unlock full access to our site.
Already subscribed? Login here