العطاء الجماعي
صندوق الشفاء هو صندوق تمويل جماعي يسعى إلى تحسين الأوضاع الصحية والمعيشية في منطقة الشرق الأوسط وخارجها
صندوق الشفاء هو صندوق تمويل جماعي يسعى إلى تحسين الأوضاع الصحية والمعيشية في منطقة الشرق الأوسط وخارجها
صندوق الشفاء هو صندوق تمويل جماعي يسعى إلى تعزيز التعاون والتعلم بين رواد العطاء الأفراد، بهدف تحسين الأوضاع الصحية والمعيشية للأطفال والأسر في منطقة الشرق الأوسط وخارجها.
تم تأسيسه في عام 2013 من قبل خالد وألفت الجفالي، بالتعاون مع مؤسسة بيل وميليندا غيتس. ومنذ ذلك الحين، تحول إلى صندوق موجه من قبل الأعضاء المانحين بالتعاون مع NPT Transatlantic.
كانت ريادة العطاء دوماً جزءاً أساسياً من حياة رجل الأعمال البارز خالد الجفالي وزوجته ألفت المطلق الجفالي. وشرح خالد ذلك بقوله: "والدي هو من علمنا قيم ومبادئ العطاء. كنا نرافقه في رحلاته إلى مناطق نائية و بعيدة لزيارة بعض الأسر المحتاجة هناك. كانت تلك بدايتنا المتواضعة في العطاء. ومنذ ذلك الحين تعلمنا الكثير، ونأمل أن نتابع عملنا مستلهمين بريادته".
ومع مرور الزمن، أسس الزوجان مراكز للعناية الصحية في عدة مناطق، وتبرعا لها بالمعدات الطبية والأدوية في سعيهما لمساعدة المجتمعات المحلية.
لكن بحلول عام 2012 عندما بدأ الزوجان ينظران في مختلف الاحتياجات الطبية للمجتمعات الفقيرة في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، وجدا أن التحديات هائلة: شلل الأطفال، و"مرض النوم" الأفريقي أو ما يسمى بداء المثقبيات (trypanosomiasis)، والتهاب السحايا من النمط A ومجموعة الأمراض المدارية المهملة (NTDs) مثل داء الليشمانيات الجلدي (leishmaniasis cutaneous)، إذ يعاني من هذه الأمراض وغيرها من الأمراض القاتلة أو المقعدة الملايين من الفئات المحرومة في المنطقة، لا سيما الأطفال. وتقول ألفت: "كنا نبحث عن طريقة أفضل للتعامل مع هذه الاحتياجات الصحية الملحة".
كان رواد العطاء في المنطقة، الذين اعتادوا مراعاة التقاليد العريقة في الإحسان والعطاء مثل الزكاة والوقف، يدعمون المبادرات التي تعالج بعض هذه الاحتياجات لكن أسرة الجفالي كانت تدرك أنه ليس بمستطاع أي رائد عطاء أو مؤسسة خيرية واحدة، مهما بذلوا من جهود، أن يحدثوا فرقاً يذكر في محاربة تلك الأمراض المتفشية والتي يعد ضحاياها بالملايين. فالمسألة بكل بساطة هي أن حجم المشكلة ضخم، والثغرة في التمويل كبيرة.
"إن جهود عطاء [رائد عطاء واحد] لا تشكل أكثر من نقطة في بحر"، حسب ما يوضح خالد الجفالي، الذي يضيف: "كنا نرغب بزيادة حجم الأثر إلى حده الأقصى. وقناعتنا في هذا المجال هي: لا تُعط لوحدك".
في كانون الثاني من العام 2012، وفي خطوتهما الجدية الأولى للبحث عن إطار جيد للعمل الجماعي عوضاً عن الفردي، استضاف الزوجان الجفالي لقاءً في مدينتهما، جدة، دعوا إليه بيل غيتس ورواد عطاء آخرين وبعض الأصدقاء. رغب الزوجان بمعرفة كيف يمكن لمؤسسة واحدة أن تضاعف أثر عطائها مثلما فعلت مؤسسة بيل وميليندا غيتس (مؤسسة غيتس). كان الحديث الذي دار في ذلك اللقاء مصدر تنوير لخالد وألفت اللذين قررا إنشاء مبادرة تعاونية للعطاء لهما ولرواد عطاء عرب آخرين تستهدف التحديات الصحية العديدة في العالم العربي وأفريقيا.
ولتحويل هذه الفكرة إلى حقيقة على أرض الواقع، عمل الزوجان على استقطاب رواد عطاء طموحين آخرين، واتفقا على التعاون مع مؤسسة غيتس للنفاذ إلى خبرات المؤسسة الغنية في مجال الصحة ومكافحة الأمراض. وفي تشرين الثاني من العام 2012، ذهب رواد العطاء هؤلاء إلى السنيغال في أولى رحلاتهم التعليمية، حيث قاموا بزيارات ميدانية شملت عيادات تعالج الإصابات بالملاريا والسل. كما شهدوا بأنفسهم تنفيذ حملة لمكافحة إلتهاب السحايا.
وبعد أن كوّنوا المعرفة اللازمة واستلهموا بما رأوه وضعت المجموعة الاستراتيجية العامة للنهج الذي يمكنهم من خلاله توجيه عطائهم إلى البرامج والمناهج والمنظمات التي تعد بأفضل النتائج. وقام الزوجان بتصميم نهج تعاوني للمانحين أملاً بأن يؤدي إلى جذب استثمارات أكبر وأن يعجل بتقدم العمل في معالجة المشاكل الصحية والمعيشية التي تعاني منها أكثر المجتمعات حرماناً.
في شهر نيسان من العام 2013، أطلق الزوجان الجفالي رسمياً صندوق الشفاء على شكل صندوق تمويلي جماعي يركز على رفع مستوى صحة الأطفال والأسر المحرومة في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا.
ويمثل صندوق الشفاء نهجاً جديداً مميزاً في عالم العطاء العربي من خلال اعتماده على ثلاثة عناصر استثنائية. أولاً، يهدف الصندوق إلى إنجاز تقدم ملحوظ على صعيد الشؤون الصحية المهملة في المنطقة.
وتفيد ألفت الجفالي بقولها: "أردنا أن نركز على المشاكل الصحية مثل شلل الأطفال والأمراض المدارية المهملة لأنها لا تلقى العناية الكافية [في المنطقة]".
على الرغم من أن غالبية التمويل المخصص لمكافحة الأمراض المدارية المهملة يأتي عن طريق المنظمات العالمية والحكومات المحلية، إلّا أنه لا تزال هناك ثغرة في التمويل تبلغ قيمتها بين 200 و 300 مليون دولار.
ثانياً، إن تبني الصندوق لأسلوب حشد رؤوس الأموال ودعوة الأعضاء فيه للمشاركة في اتخاذ القرارات في عملية تقديم المنح يؤدي إلى تدفق أكبر وأكثر فعالية من رأس المال نحو القضايا التي تهم المانحين المشاركين. تعتمد الخطة على أن يساهم كل مانح مشارك بمبلغ لا يقل عن 250,000 دولار أميركي لفترة محددة - غالباً ما تكون سنتين ثم يبحث الأعضاء سوية في شأن المنح ويتعلمون من بعضهم البعض من خلال تبادل تجاربهم، وبذلك يستفيدون من الخبرات المشتركة للتوصل إلى أفضل القرارات، عوضاً عن أن يعمل كل واحد منهم لوحده في تخصيص وتوجيه وإدارة الاستثمارات الخيرية الخاصة به.
علاوة على ذلك، يصبح الأعضاء بحكم تعاونهم المشترك فاعلين أكبر على مستوى العناية الصحية في المنطقة، ما يضعهم في موقع أقوى لتقليص الفجوات في تمويل القضايا الصحية المهملة، والتأثير أيضاً على البرامج التمويلية للفاعلين الآخرين. اليوم، وفي مختلف أنحاء العالم، يزداد الإقبال بين صفوف رواد العطاء على أسلوب التمويل المشترك؛ ومن الأمثلة على ذلك مؤسسة "كو إمباكت" (Co-Impact) و"بلو مريديان بارتنرز" (Blue Meridian Partners).
وأخيراً، فإن صندوق الشفاء يتخذ نهجاً على مستوى استراتيجي عالي في عملية تقديم المنح. فهو يختار مواقع الاستثمار حيث يمكنه إحداث أثر كبير، ثم يقوم بعناية بتحديد ما سيكون عليه شكل النجاح، وكيفية تحقيقه. وتعد قيمة المنح التي يقدمها الصندوق مهمة، إذ يزيد متوسطها عن المليون دولار أميركي تدوم لغاية أربع سنوات ـ أي ما يكفي لظهور النتائج. كما أن علاقة صندوق الشفاء بمؤسسة غيتس الخيرية، والتي تساعد الصندوق في تحديد فرص الاستثمار الواعدة مع محافظته على رشاقة عملياته، تعد شأناً حاسماً في هذا النوع من التقديم الاستراتيجي للمنح.
ومنذ تأسيسه في عام 2013، نجح صندوق الشفاء في جذب رأس المال من أكثر من 20 مانحاً، وجمع وتقديم ما يزيد عن 14 مليون دولار أميركي. ويمكن الاستنتاج من هذا النموذج بشكل عام بأنه في منطقة يعتمد العطاء فيها بشكل رئيسي على الأفراد والأسر، فإن حشد رؤوس الأموال له فعالية وجاذبية خاصة.
وبالنسبة للزوجين الجفالي، لا شك أن صندوق الشفاء يحدث أثراً أكبر مما قد تحدثه الأسرة وحدها أو بقية المانحين كل على حدة. فمن خلال الاستثمار في مكافحة الأمراض مثل إلتهاب السحايا، ومرض النوم، والكوليرا، وجائحة كوفيد-19؛ وتقديم الرعاية للنساء والأطفال؛ وتوفير الإغاثة الطارئة في مناطق النزاعات - ساهم الصندوق في إنقاذ أو تحسين حياة أكثر من 16 مليون شخص.
ما كان يحرك مشروع صندوق الشفاء منذ البداية هو الالتزام القوي بالتعلم كفريق واحد. وأصبحت الزيارة التي قام بها الزوجان الجفالي ورواد العطاء الآخرين إلى السنغال نموذجاً لمنهجية عمل الصندوق. فالزيارات الميدانية التثقيفية تعمق وتوسع إدراك أصحابها حول حقيقة الظروف المحيطة بالتدخلات الإنسانية وطرق التعامل معها على الأرض. وهذا بدوره يوضح الدور الذي يلعبه صندوق الشفاء في تقدم العمل.
"لا يمكنك مساعدة الناس عن بعد"، هذا ما تقوله الابنة دانا الجفالي، التي تضيف: "إن الذهاب إلى الميدان يبعث الحياة في القضايا الإنسانية. كانت التجربة ملهمة حقاً، خاصة عند مشاهدة طريقة تعامل منظمة "إيند فند" وشركائها مع الناس، بكل احترام ومراعاة لخصوصياتهم". (راجع أدناه "مثال عن متلقي المنح: صندوق ’إيند فند‘")
كان لهذه الزيارات دور مباشر في تشكيل عملية تقديم المنح لدى الصندوق. فعلى سبيل المثال، أثرت على أعضاء الصندوق من حيث توجيه بعض تمويلهم إلى قضايا خارج بلدانهم. كما أن هذه الزيارات دفعت البعض ليس لتمويل التدخلات المثبتة فحسب، بل للمجازفة أيضاً من خلال دعم بحوث ومشاريع تجريبية لحلول جديدة غير مثبتة.
من جهة أخرى، تستمر عملية التعلم للصندوق من خلال تقييمات دورية يجريها للمشاريع المستفيدة من المنح بهدف تحديد ما هي الأمور التي تسير بشكل جيد، وما هي الأمور التي تلقى صدىً مع المانحين. ويعمل المجلس الاستشاري للصندوق على مراجعة ما تم تعلمه من دروس وعبر للاستفادة منها عند النظر في المنح المستقبلية.
من الدروس المستفادة، على سبيل المثال: ساهمت وزارة الصحة في أثيوبيا مع شركاء "إيند فند" في تحديد ثلاث مناطق سكانية تشهد انتشاراً واسعاً لمرض الدودة المعوية، ما ساعد حملة "إيند فند" في الوصول إلى مليوني طفل أكثر مما كان مخططاً له في البداية. وقد أصبح هذا النهج الذي يستهدف مناطق الكثافة العالية حجر الأساس في اتخاذ قرارات تقديم المنح المتعلقة بالتدخلات الهادفة لإحداث الأثر القوي، بما فيها قرار صندوق الشفاء بتقديم منحة لمنظمة يونيسيف عام 2015. وباعتماد ميزانية لا تتعدى 1.8 مليون دولار أميركي، ساعد هذا المشروع في تلقيح 7 ملايين طفل في سوريا والعراق ضد شلل الأطفال.
وكمثال آخر يمكن النظر في الحملة التي مولها صندوق الشفاء في المملكة العربية السعودية ضد داء الليشمانيات الجلدي الذي يسبب ظهور تشققات وتقرحات جلدية تنهك ضحاياها. تعامل الصندوق مع المشكلة من عدة جوانب. فبادر أولاً إلى تمويل دراسة بحثية حول داء الليشمانيات الجلدي، وساهم في تحديد الأساليب الناجحة في السيطرة على المرض، وقام بتدريب العاملين الصحيين في تشخيص الإصابات، وتعاون مع وزارة الصحة في المملكة لاستكشاف إمكانية إضافة أساليب تدخل جديدة على عمل الوزارة.
يمكن اعتبار هذه الاستثمارات بأنها تدعم بعضها البعض، ما يؤدي إلى مضاعفة الأثر أبعد مما يمكن لمانح واحد أو نهج عمل واحد تحقيقه في الحد من داء الليشمانيات الجلدي في المملكة. وقد أصبح صندوق الشفاء يفضل بشكل متزايد هذا النهج المتعدد الجوانب في العمل.
تعتمد غالبية المنح على إجابة سؤال واحد بسيط: ما هي الاحتياجات غير الملباة التي يمكن لصندوق الشفاء أن يلبيها؟ يخضع تقديم المنح إلى إجراءات تقييم دقيقة تركز في البداية على مدى معالجة الشؤون الصحية والمعيشية التي لا تتلقى إلّا القليل من الدعم المادي في الشرق الأوسط، وأفريقيا، والعالم الإسلامي بشكل عام. ويستعين الصندوق أيضاً بالمعارف الغنية لمؤسسة بيل غيتس وشبكة معارفها لتحديد هذه الفرص.
وتقول دانا الجفالي: "إنهم يعلموننا بالثغرات الصحية التي يرونها. هذه هي الركيزة الرئيسية، لكننا أيضاً نبحث عن أفضل نوعية من الشركاء [الجهات المتلقية للمنح] على أرض الواقع ... من الذين يمتلكون معرفة جيدة بالمجتمع المحلي." وقبل اتخاذ قراراته حول المنح، يحرص المجلس الاستشاري لصندوق الشفاء على التدقيق في حجم الأثر المتوقع، وإمكانية توسيع نطاق المشروع، والمجازفات المحتملة.
لإيضاح هذه العملية يمكن النظر في مسعى صندوق الشفاء للاستناد إلى البحوث كإحدى الوسائل المطلوبة للتعامل بشكل فعال مع داء الليشمانيات الجلدي. واستجابة لطلب من خالد وألفت الجفالي، أوصت مؤسسة غيتس بكلية ليفربول للطب الاستوائي كشريك محتمل له بحوث قيد العمل في المملكة العربية السعودية. وكانت كلية ليفربول هي الأخرى تنظر في إجراء دراسة بحثية حول داء الليشمانيات الجلدي بهدف تقييم أساليب جديدة تطبق على أرض الواقع لمكافحة المرض، لكنها كانت تفتقر للتمويل اللازم لإجراء الدراسة.
ومنذ طرح فكرة التعاون تلك وبحثها لأول مرة، قام الصندوق بمنح هذه الدراسة ما يقارب 1.7 مليون دولار أميركي. وتساهم الدراسة اليوم في استكشاف منهجيات تشخيص مبتكرة، وتقييم البروتوكولات الحالية في علاج المرض، فضلاً عن تقييم الأساليب الجديدة للتحكم بداء الليشمانيات الجلدي في المملكة العربية السعودية.
تبع صندوق الشفاء أسلوب الإدارة الرشيقة للعمليات، إذ يعتمد على موظف واحد فقط، لكنه يتعاون بشكل وثيق مع الشركاء الرئيسيين في فرز ملفات المنح، وإدارة مشاركات الأعضاء، وتخصيص التمويلات، وإدارة أصوله المالية.
تقدم مؤسسة غيتس لصندوق الشفاء قائمة بفرص الاستثمار المدققة (وفق إجراءات الحيطة الواجبة وتجربة المؤسسة مع مئات المنظمات التي تعنى بشؤون الصحة حول العالم). ثم يختار المجلس الاستشاري للصندوق من هذه القائمة فرص الاستثمار وقيمة المنح لكل منها.
من جهة أخرى، تقدم وكالة استشارية عالمية متخصصة بالأعمال الخيرية، لها حضور في الشرق الأوسط، خدمات الاتصال لأعضاء فريق الصندوق. كما تساعد هذه الوكالة في تنظيم وعقد اجتماعات المجلس الاستشاري وتتبع النتائج وإعداد التقارير المتعلقة بالمنح، فضلاً عن تنظيم الرحلات التعليمية الميدانية للأعضاء. كما يعمل صندوق تمويل آخر بإدارة أصول صندوق الشفاء تحت إشراف المانحين؛ وهو يشرف على عمليات تسديد كل من تعهدات الأعضاء والدفعات لمتلقي الاستثمار.
ويعد هذا النموذج من الشراكات نادر الوجود في العالم العربي، حيث التقليد السائد بين رواد العطاء الذين يقررون أن يكون نهج عطائهم مؤسسياً هو أن ينشئ الواحد منهم جمعية أو منظمة خاصة به ويقوم بتخطيط وإدارة برامجها. أما صندوق الشفاء فقد أقام - من خلال الشراكات التي كونها واتباع أسلوب التعاقد الخارجي - بديلاً كفؤاً وفعالاً للنموذج التقليدي للمؤسسات الخيرية في المنطقة، ما يساعدها على النمو السريع، وتقديم التمويل بكفاءة، والنفاذ إلى مجموعة واسعة من الإمكانات والخبرات.
ساهم صندوق الشفاء، من خلال تقديم منح لقضايا صحية ملحة بقيمة تبلغ نحو 14 مليون دولار، في تحسين حياة أكثر من 16 مليون إنسان.
وفي عام 2016، قدم صندوق الشفاء منحة إلى مؤسسة الأمم المتحدة (UN Foundation) للمساعدة في توزيع 180,000 ناموسية معالجة بمبيد للبعوض في جمهورية أفريقيا الوسطى، حيث يصاب ما يقدر بـ 400,000 شخص بمرض الملاريا سنوياً. من شأن هذه الناموسيات السريرية أن تلبي حاجات مهملة لأعداد كبيرة من السكان للحماية من الملاريا. كما دعم صندوق الشفاء عملية توزيع ملصقات وبث رسائل توعوية عبر الإذاعات المحلية لتعليم الأمهات حول العوارض التي تستلزم مراجعة الطبيب لدى أطفالهن لاحتمال إصابتهم بالملاريا.
كما كان للمنحة التي قدمها صندوق الشفاء لكلية ليفربول للطب الاستوائي في عام 2014 أثر كبير من جهة دعمها لجهود تهدف لحماية أكثر من مليون شخص في أوغندا وتشاد من مرض النوم الذي ينتقل عن طريق طفيلي تحمله ذبابة "تسي تسي" وقد يؤدي إلى الموت. فقد مكنت المنحة كلية ليفربول من شراء أكثر من 47,000 ناموسية معالجة بمبيد للحشرات قادرة على جذب الذباب والقضاء عليه. ساهمت هذه الناموسيات في تخفيف أعداد ذبابة "تسي تسي" بنسبة لا تقل عن 90 بالمئة في المناطق التي نصبت فيها، والتي بلغت مساحتها الإجمالية حوالي 2,800 كلم مربع - ما أدى عملياً إلى خفض احتمالات الإصابة بالمرض بشكل كبير لمجموعات سكانية تقدر بمليون شخص.
ومن جملة الأمور التي تساعد صندوق الشفاء على إحداث الفرق هو المستوى المتدني من البيروقراطية الذي يتميز به، ما يمنحه القدرة على التحرك بشكل سريع. ما يؤكد على هذا، على سبيل المثال، هو أن الصندوق قدم منحة، استجابة لطلب تمويل عاجل لسد ثغرات في تمويل حملة تلقيح ضد داء السحايا (من نمط A) في كل من أثيوبيا ونيجيريا والسودان وغامبيا، خلال فترة لم تتعد الأربعة أشهر منذ تأسيس الصندوق. ومنذ إطلاق حملة التلقيح تلك أصبح هذا المرض القاتل شبه منقرض في دول أفريقيا جنوب الصحراء.
وقد جذب نهج عمل صندوق الشفاء أنظار المراقبين الدوليين. وكما أفاد بيل غيتس في عام 2015: "إن الأثر التي تم إحداثه خلال سنتين من العمل فقط هو فعلاً مثير للإعجاب. آمل بأن يتبع الآخرون خطاهم كرواد عطاء وصناع للتغيير في المملكة العربية السعودية وأبعد منها."
بالإضافة إلى التقدم الذي حققه على صعيد الصحة، فقد ساعد صندوق الشفاء أيضاً أعضاءه الممولين في إنماء أعمالهم في العطاء الاستراتيجي. وتقول جنيفر آلكورن من مؤسسة غيتس: "أصبحت المحادثات مع أعضاء الصندوق خلال الإجتماعات السنوية تتصف بعمق أكبر".
كما تضيف دانا الجفالي، قائلة أنه خلال إحدى المناسبات التي نظمها صندوق "إيند فند" مع الأعضاء، "أبدى الحضور اهتماماً كبيراً وطرحوا العديد من الأسئلة. حتى أن أحد الحضور أبدى تحمساً إلى درجة أنه قرر حينها أن ينشئ ذراعاً للمسؤولية الاجتماعية لأعماله المتعلقة بالتجميل في المملكة العربية السعودية".
التقى الزوجان الجفالي لأول مرة مع قادة صندوق "إيند فند" (End Fund) في عام 2013. يعمل صندوق "إيند فند" بشكل مكثف في الدول العربية والعديد من دول أفريقيا جنوب الصحراء التي يشكل المسلمون جزءاً كبيراً من سكانها، مثل السودان ومالي، حيث تتفشى الأمراض المدارية المهملة التي تؤثر على مئات الملايين من البشر، وتسبب عدة عوارض، وتؤدي في أسوأ الحالات إلى الوفاة.
ساهمت هذه الحقائق وغيرها في قرار صندوق الشفاء بمنح المنظمة مليون دولار أميركي بهدف علاج مشكلة الدودة المعوية التي تنتقل عن طريق الطعام أو المياه أو الأرض الملوثة. كان من نتائج هذه الحملة أنها مكنت "إيند فند" من الوصول إلى 7.8 مليون طفل - ما يقارب نحو ثلث الأطفال الذين هم بحاجة لهذا العلاج. كما دربت الحملة ما يزيد عن 17,000 شخص، غالبيتهم من المعلمين في المدارس ومسؤولين حكوميين، للمساعدة في حملات العلاج والوقاية المستقبلية.
وتمتد العلاقة بين صندوق الشفاء وصندوق "إيند فند" أبعد من التمويل فحسب، إذ زار الزوجان الجفالي مواقع عمل "إيند فند"، حيث استضاف الصندوقان جلسات تعليمية لرواد عطاء آخرين. لكن أبرز شيء في هذه العلاقة هو أن عملهما المشترك ساهم في جذب المزيد من التمويل ودعم قضية الأمراض المدارية المهملة بمزيد من الزخم.
وتعليقاً على هذا، قالت إيلين آغلر، الرئيس التنفيذي لصندوق "إيند فند": "ساهم [صندوق الشفاء] في فتح عدة أبواب أمام إيند فند ... فاستثمارهم الأولي في مكافحتنا للدودة المعوية في أثيوبيا أتاح لنا أن نعرض نموذج عملنا أمام مانحين آخرين ونوسع البرنامج على مستوى الدولة ككل."
من جهتهم، واجه متلقو منح صندوق الشفاء تحديات خلال سعيهم للتحكم بالقضايا الصحية التي لا تحظى إلّا بالقليل من التمويل. لذا اعتمد الصندوق سياسة تمكين متلقي المنح من التكيف والتأقلم وفق ما يستجد من التحديات. فالتحدي المتمثل بالتعامل مع مجموعات لاجئين دائمي التنقل، على سبيل المثال، تطلب من كلية ليفربول للطب الاستوائي أن تكون مرنة مع تغير سياق العمل وأن تبحث عن مقاربات جديدة في مكافحة مرض النوم في تشاد. أما بالنسبة لصندوق "إيند فند"، فإن التأخير غير المتوقع في وصول إمدادت اللقاح والأدوية تطلّب من الصندوق أن يجري تعديلاً في الأهداف وأن يطور خطة بديلة لتوفير العلاج للأمراض المدارية المهملة في اليمن.
أما صندوق الشفاء، فكما هو الحال مع غالبية المقاربات المبتكرة، واجه هو الآخر مجموعة من التحديات، وهو لا يزال يتعلم من تجاربه ويتطور. إن عملية استقطاب أعضاء جدد تتطلب الكثير من الوقت والمتابعة. وسعياً منه للتخفيف من العوائق أمام المشاركة وزيادة أعداد المشاركين، قرر الصندوق تخفيض الحد الأدنى للتبرع من مليون دولار أميركي إلى 250,000 دولار.
كما ينظر الصندوق في مقاربات جديدة في الحوكمة بهدف جذب فئات متنوعة من الأعضاء والحفاظ عليهم، مثل إتاحة العضوية في المجلس الاستشاري للأعضاء الذين يلتزمون بحد أدنى محدد من التبرعات.
وبما أن هذا النوع من التعاون المؤسسي بين مجموعة من المانحين لا يزال مفهوماً جديداً إلى حد ما في العالم العربي، ينظم الصندوق أنشطة للوصول إلى أعضاء محتملين جدد وتقوية العلاقة مع الأعضاء الفعليين تشمل لقاءات، وزيارات ميدانية لمواقع عمل المستفيدين من المنح، ونشرات إخبارية. ويركز نايف العبيد، وهو أول شخص يتم توظيفه في الصندوق، على المحافظة على مشاركة الأعضاء ومهام أخرى. ويوضح العبيد، قائلاً: "لا يزال المانحون في منطقتنا لا يألفون هذا النوع من ريادة العطاء. هدفي هو أن أساعدهم على فهم هذا النهج من تقديم المنح، وأحافظ على مشاركتهم والتزامهم."
تلعب عملية التثقيف وسرد القصص حول التأثير الذي يتم تحقيقه دوراً مهماً في هذا السياق، فهي تساعد الأعضاء على تكوين فهم جيد حول كيف يمكن لحجم التأثير أن يكون أكبر وأعمق من خلال حشد مواردهم.
بينما يعمل صندوق الشفاء على تلبية الاحتياجات الصحية غير الملباة في المنطقة، فهو يستمر بمسعاه المتمثل بتوسيع محفظة أعماله لتضم مجالات تركيز جديدة وإضافة أعضاء جدد. مثال على ذلك: كانت ألفت الجفالي تهتم دائماً بصحة الأمومة والطفل، كما كشفت عنه زيارة تثقيفية لصندوق الشفاء. تبين أن مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين كانت تفتقر للتمويل اللازم لدعم برنامج يعنى بالأمومة وصحة الأطفال في مخيمين للاجئين في الأردن. عندما علم الصندوق بهذا الأمر قرر التدخل. وهكذا ساعدت هذه المنحة في تقديم خدمات عاجلة لـ 805 امرأة لاجئة، بدءاً بمرحلة الحمل الأولى إلى الولادة، ثم العناية اللازمة بعد الولادة.
ويسعى صندوق الشفاء إلى جذب مانحين جدد، من ضمنهم جيل الشباب. وتؤكد ألفت الجفالي، قائلة: "نحن نطور نهجاً يصلح للمستقبل، لأولادنا وأولادهم من بعدهم."
عمل الزوجان الجفالي طويلاً على إشراك ابنتيهما دانا وهيا الجفالي، في أنشطة الصندوق، كما ينويان أن يعمقا مشاركتهما هذه.
وتعلق هيا، قائلة: "نحن نريد مساعدة صندوق الشفاء لكي يبقى مبتكراً وذا صلة." وتضيف دانا بقولها: "يتحقق الأثر من خلال توسيع نطاق العمل، والتعاون الوثيق، والشراكات. لقد أنقذ صندوق الشفاء حياة العديد من الناس، لكن هذا لا يعني أنه لا توجد هناك فسحة للنمو."
واليوم، ومع توفيره التمويل لمجالات صحية جديدة، والسعي لجذب أعضاء جدد، فصندوق الشفاء جاهز للاستمرار باستثماراته في مواجهة تحديات القضايا الصحية المهملة في المنطقة.
قم بزيارات ميدانية تثقيفية لتكوّن فهماً عميقاً للقضايا المتعلقة بالاستثمارات
تتمثل إحدى المزايا المعرِّفة لأعضاء صندوق الشفاء في نهجهم التعليمي، إذ أنهم يسافرون معاً إلى المواقع التي يعمل فيها متلقو المنح الحاليون والمحتملون لكي يشهدوا بأنفسهم الحاجات المطلوبة وطريقة التعامل معها. ويشير هؤلاء الأعضاء دائماً إلى المعرفة التي حصلوا عليها من خلال تلك الزيارات على أنها مكملة لقدرتهم على العطاء الفعال. وحسب ما يفيدون به حول فوائد الزيارات أنها تساعدهم في تحديد الأولويات الجغرافية والصحية عند اتخاذ القرارات المتعلقة بالمنح المستقبلية، كما أنها تنورهم فيما يتعلق بالحلول المحتملة (على سبيل المثال، العناية بالمواليد الجدد في بيئة مخيمات اللاجئين)، والقيام أيضاً بتقدير أدق لحجم الاستثمار المطلوب لتحقيق مستوى التقدم المرغوب. أما الزوجان الجفالي، فقد وصفا هذه الزيارات بأنها ترسخ شعورهما الشخصي بأنهما معنيان بالأمر وتقوي عزمهما على المساعدة.
تعلم وتطوّر باستمرار لكي تحسن الممارسات وتوسع نطاق الوصول إلى المستهدفين
كونه واحداً من أوائل مشاريع التمويل الجماعي في العالم العربي، كان على صندوق الشفاء أن يطور وسائل جديدة في العمل. شمل هذا، على سبيل المثال، تطوير منهجية قوية لعملية فرز المنظمات والمشاريع وتقديم المنح، وتقبل الفكرة بأن آفاق عملية تقديم منح بعيدة ونتائجها تتطلب وقتاً أطول، وتحديد هيكلية واضحة حول مساهمات الأعضاء، والأدوار والارتباطات.
ولأن هيكلية الصندوق كانت جديدة إلى حد ما في المنطقة، ابتدأ الزوجان الجفالي مشروعهما على نطاق ضيق، بالشراكة مع عدد صغير من الأعضاء، مركزين فيه على مشكلتين صحيتين أو ثلاث وبضعة جهات متلقية للمنح. وبمرور الوقت تطور صندوق الشفاء، ومع هذا تطور نهجه. فقد أدرك الزوجان الجفالي والأعضاء المشاركون ما يلزم للتركيز على القضايا الصحية التي تعاني من نقص التمويل، وكيفية تخصيص الموارد لتحقيق أكبر أثر ممكن. وعبر السنين تكيف الصندوق مع السياقات الإقليمية الدائمة التغير وثغرات التمويل واهتمامات أعضائها. على سبيل المثال، خفض الصندوق حد المساهمة الأدنى لكي يزيد عدد الأعضاء.
تعاون مع بقية المانحين بشكل استراتيجي لكي تعجل بعملية التعلم وتحشد رؤوس الأموال لتعميق الأثر
لقد اختبر الزوجان الجفالي بنفسيهما كيف أن التعاون الوثيق والمشاركة في الاستثمار مع مانحين آخرين تساعد في التعجيل بالجهود المشتركة. كما حفز هذا التعاون الأعضاء على التعلم أكثر عن القضايا والمجتمعات المحلية التي يستهدفونها، فضلاً عن النهج الاستراتيجي في ريادة العطاء. من جهة أخرى، فإن النهج المبتكر لصندوق الشفاء وضعه في دائرة التأثير الأكبر لريادة العطاء العالمي في حشد رؤوس الأموال والعمل الجماعي. وبعد أن أدت جهوده إلى تحسين صحة وحياة الملايين من البشر، أكد الصندوق على الإمكانيات التي يوفرها نهج العطاء التعاوني أو الجماعي.
تشارك مع كبار الفاعلين لتحافظ على رشاقة وفعالية أعمالك
سعى صندوق الشفاء منذ بدايته إلى أن يكون مشروعاً رشيقاً ومرناً، عوضاً عن محاولة تطوير مجموعة من الإمكانيات بذاته فقط. فعقد شراكة مع مؤسسة غيتس، ما أتاح له الحصول على معرفة عميقة في شؤون الصحة العامة ومتلقي المنح. كما ساعدت هذه الشراكة صندوق الشفاء في إدارة عملياته، واجتماعات مجلسه الاستشاري وتوزيع رأس المال والاستثمارات.
وساعدت هذه الشراكات في التعجيل بأعمال الصندوق، ما أتاح إطلاق الصندوق خلال 15 شهراً فقط وتقديم أول منحة بعد أربعة شهور من انطلاقته - وهذه محطات بارزة كانت من دون ذلك ستستغرق أعواماً لإنجازها.
وبعد خمس سنوات ما تزال احتياجات وأهداف الصندوق تتطور وتتبلور أكثر. وبالمحصلة، بدأ صندوق الشفاء يطور إمكانياته الخاصة حيث الحاجة أكثر لها. وخير مثال على ذلك هو أن الصندوق قد عين أول موظف لديه لتنحصر أبرز مهامه بالوصول إلى عدد أكبر من المانحين ومشاركة أوسع. والهدف هو تعزيز الأثر الذي سيتركه صندوق الشفاء لسنوات عديدة قادمة.
تم نشر هذا المحتوى لأول مرة عام 2020 من قبل ’مشروع انسبايرد‘، وهو عبارة عن مجموعة من مقابلات الفيديو ودراسات الحالة المستمدة من لقاءات مع رواد عطاء متميزين ومؤسسات خيرية رائدة في العالم العربي. وقد حصل ’مشروع انسبايرد‘ على الدعم من مؤسسة عبدالله الغرير للتعليم ومؤسسة بيل وميليندا غيتس، وتم إنتاجه مع شركاء المعرفة: ’مجموعة بريدج سبان‘ و’زمن العطاء‘.
It's a good idea to use a strong password that you're not using elsewhere.
Remember password? Login here
Our content is free but you need to subscribe to unlock full access to our site.
Already subscribed? Login here